العربي الجديد-
تتضاعف تداعيات أزمة الهجرة السرية في ليبيا لتطاول القطاع الصحي بسبب مخاوف من تفشي أمراض وأوبئة خطيرة يحملها المهاجرون معهم.
وتجتهد السلطات الليبية في دعم برنامج العودة الطوعية للمهاجرين بالتعاون مع المنظمات الأممية المعنية بشؤون المهاجرين، وخصوصاً منظمة الهجرة الدولية قبل سنوات. ومن بين الأسباب حماية البلاد من تفشي الأمراض والأوبئة.
ومنتصف الأسبوع الماضي، أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في بنغازي ترحيل 58 مهاجراً من الجنسية المصرية القادمين إلى ليبيا بطريقة غير قانونية عبر منفذ امساعد البري، من بينهم مصابون بأمراض الإيدز والتهاب الكبد الوبائي. ومطلع العام الجاري، رحّلت السلطات الليبية عشرات المهاجرين المصريين والأفارقة إلى بلدانهم بعد ثبوت إصابتهم بأمراض معدية، من بينهم 78 مهاجراً من الجنسية المصرية نقلوا من مركز إيواء قنفوذة إلى منفذ أمساعد البري. وكان اثنان على الأقل مصابين بالإيدز والتهاب الكبد الوبائي. وفي الفترة نفسها، رحلت السلطات في شرق البلاد 87 مريضاً، هم 17 سودانياً و62 تشادياً ومصريان وبنغلادشيان وأربعة إثيوبيين.
وتعيش مدينة الكفرة (جنوب)، واقعاً صعباً في ظل التدفق اليومي للمئات بسبب الحرب القائمة في السودان. ويتحدث العديد من المسؤولين المحليين عن اكتشافهم لأمراض خطيرة يحملها اللاجئون من السودان، وسط نقص حاد في الإمكانات لدى سلطات بلدية الكفرة في ما يتعلق بتقديم الرعاية الصحية اللازمة.
وفي تصريحات سابقة لـ “العربي الجديد”، كشف الناطق باسم بلدية الكفرة عبد الله سليمان أن أعداد اللاجئين من السودان إلى الكفرة وصلت إلى قرابة ثلث سكان المدينة، والوضع الصحي لهؤلاء يتفاقم باستمرار في وقت تواجه السلطات المحلية في بلدية الكفرة عراقيل عدة تعيق قدرتها في السيطرة على الأوضاع.
ويذكر سليمان أن الفرق الطبية والإغاثية في البلدية رصدت وجود أكثر من 100 لاجئ مصاب بفيروس الإيدز، وأكثر من 800 مصابين بالتهاب الكبد الوبائي، معرباً عن خوفه من إمكانية تفشي هذه الأمراض بين المواطنين إذا لم يتم دعم جهود البلدية في ظل تزايد تدفق النازحين.
ويقول الناشط الإغاثي أنور الزوي لـ “العربي الجديد”: “رغم قلة الإمكانات في الكفرة، إلا أنها تبقى أفضل حالا من المدن الأخرى التي لم تلتفت حتى الآن لظاهرة اللجوء من السودان، وتسرع في اتخاذ إجراءات لاستيعابهم، وخصوصاً في ما يتعلق بالجانب الصحي. تطويق خطر تفشي الأمراض عبر اللاجئين والمهاجرين يبدأ لحظة استيعابهم داخل مراكز إيواء خاصة بهم، ومنع انتقالهم إلى المدن والمناطق السكانية، وهو ما لم يحدث حتى الآن في معظم مناطق البلاد”.
ويتحدث الزوي عن تفاقم ملف الهجرة السرية، موضحاً أنه لم تعد مسألة تجارة بالنسبة للمهربين فقط، بل هناك من يستفيد من المهاجرين الذين لا يرغبون في الهجرة إلى خارج ليبيا. ويقول إن “أعداداً كبيرة جداً من المهاجرين تعمد إلى استئجار مساكن جماعية غير بعيدة عن الأحياء السكنية. وحتى لو كانت بعيدة، فالمهاجر الأفريقي اليوم يعمل في المخابز والمطاعم، وأصبح وجوده مألوفاً جداً في المحال التجارية، كما تشغّله شركات النظافة لإزالة القمامة من أمام البيوت والعمارات”.
والسؤال، بحسب الزوي، هو كيف يمكن الاستعانة بالمهاجرين للعمل دون وجود شهادات صحية على الأقل؟ هؤلاء في الأغلب لا يحملون شهادات، ومن يحملها منهم فشهادته مزورة”، لافتاً إلى أن الجهات المانحة لهذه الشهادات ستطلب أوراقاً ثبوتية لأي أجنبي”.
من جهته، يؤكد الطبيب الليبي نصر الهدار، أنه لم يُرصد حتى الآن تفشياً للأمراض الخطيرة بين المواطنين. ويقول لـ”العربي الجديد”: “ربما تكون هناك إصابات على مستوى الأفراد. لكنها أمراض معروفة في ليبيا ما يجعل الأمر غير مقلق حتى الآن”. ويلفت إلى أن “المركز الوطني لمكافحة الأمراض الحكومي لم يعلن عما يشير إلى خطورة انتقال الأمراض عبر المهاجرين، لكن يبقى الخطر قائما إذا لم تبذل السلطات المزيد من الجهود للحد من تدفق المهاجرين. أعتقد أن خطر تفشي الأمراض سيكون ورقة قوية لدى السلطات عند مفاوضتها الجهات الدولية المعنية بملف المهاجرين”.
ويؤكد الهدار أنه لم يرصد إصابات بأمراض على غرار التهاب الكبد الوبائي أو الدرن أو الإيدز حتى الآن، إلا أنه يؤكد أن تقارير عدة صدرت عن منظمات أممية تؤكد حصول إصابات كثيرة بين المهاجرين الموجودين في ليبيا بهذه الأمراض.
وينتقد المنظمات الدولية المعنية بشؤون المهاجرين، موضحاً أنها تستغل مأساتهم وأمراضهم لمهاجمة السلطات الليبية واتهامها بإهمال أوضاع المهاجرين في مراكز الإيواء، لكنها لا تقدم شيئاً في المقابل سوى أدوية دوائية يمكن أن يوفرها أي متبرع عادي.