محطات ليبية في ركب الحج المغاربي

الناس-
في زمنٍ كانت فيه قوافل الحجيج إلى بيت اللـه حدثًا عظيمًا، شدَّ الفقيه المغربي محمد العياشي بن الحسن اليوسي رحاله من فاس إلى مكة المكرمة، وسجَّل وقائع سفره في واحد من أهم كتب أدب الرحلات: “رحلة اليوسي: 1101 هـ/ 1690م”، التي صدرت في تحقيق للباحث أحمد الباهي، عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون سنة 2018.
امتدّت الرحلة على مدى سنة قمرية وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا، عبَر فيها اليوسي عن تضاريس الروح والجسد، من فاس إلى الحجاز، مرورًا بليبيا التي أفرد لها مشاهدات جديرة بالتأمل اليوم. انطلقت الرحلة يوم السبت 14 جمادى الثانية 1101هـ / 24 مارس 1690م، وعاد منها يوم الأحد 25 شوال 1102 هـ / 21 يوليو 1691م.
عند دخوله الأرض الليبية، تبدأ صفحات جديدة من دفاتر الانطباع، إذ يسجل اليوسي أولى ملامحه في الزوارات، وهي كما يقول المحقق: موضعان متجاوران، زوارة الغربية وزوارة الشرقية، ثم يتجه نحو كركارش (قرقارش).
وإذا كانت المدن تشبه الكائنات الحية في حيويتها أو فتورها، فإن طرابلس عند اليوسي كائنٌ جميلٌ عذب، وصفها بأنها: “البلدة الطيبة، المسلية للخاطر، المشرحة للصدر”.
ثم توالت محطات لا تخلو من تفاصيل: تاجوراء، وادي المسيد، القره بوللي، شعاب النكيزات (النقازة)، ساحل حامد، عين الكعام، الدفنية، مسراتة (مصراتة)… وفي مصراتة كانت لحظة رمضانية استثنائية، فقد نزلوا فيها يوم الجمعة ثاني أيام رمضان، عند ضريح سيدي أحمد زروق، وذكر أن بها “سوقًا عظيمًا” وأنها “آخر ما تراه من البنيان إلى مصر”.
ولم يتوقف اليوسي عند مصراتة، بل واصل خطّ رحلته شرقًا، عابرًا: الهويشة، الزعفران، الأحمر، أجدابيا، سلوك (سلوق)، الجبل الأخضر، جردس، التميمي، درنة، دفنه (هضبة بين طبرق والسلوم)، عقبة السلوم… أسماء تحوّلت في مداد قلمه إلى علامات روحية وثقافية، لا مجرّد مواقع على خارطة.