عربي 21-
شهدت دولة تونس ولمدة 3 أيام متتالية منتدى استثماري كبير ضم رجال أعمال ومسؤولين من دول ليبيا وتونس والجزائر، بهدف إنشاء تكتل يجمع الدول الثلاث وسط دعوات لتوحيد العملية وتشكيل مناطق حرة لتشجيع التجارة البينية، وسط تساؤلات عن نجاح وجدّية الخطوة.
واستضافت مدينة توزر التونسية أعمال ملتقى الاستثمار التونسي الليبي الجزائري الأول من أجل البحث عن خلق فضاء اقتصادي وتجاري موحد، فيما دعا المشاركون في اللقاء إلى سنّ قوانين تحفظ حقوق الراغبين في الاستثمار في هذه الدول.
“حضور رسمي وترويج مشترك”
وشهد الملتقى، الذي جاء تنفيذا لنتائج القمة الثلاثية بين الرئيس الجزائري والتونسي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي الأخيرة، حضورا رسميا ممثلا في بعض الوزارات ومجالس النواب والأعلى للدولة، إضافة إلى المستثمرين ورجال الأعمال والهياكل العمومية والمهنية بالدول الثلاثة، بهدف البحث عن الفرص الاستثمارية المشتركة وتحقيق التكامل الاقتصادي وترويج منتجات الثلاث دول، وفق وكالة “تونس أفريقيا” الرسمية.
وتم تقديم مقترحات خلال أعمال المنتدى تشمل: توحيد العملة بين الدول الثلاث، ووضع آليات الاتفاق، وتفعيل الاتفاقيات المبرمة سابقا من أجل تسهيل الإجراءات، وخلق فضاء اقتصادي وتجاري موحد، فضلا عن خلق تكتّل اقتصادي كبير يجمع الدول الثلاثة الغنية بالموارد البشرية والإمكانات المادية والطبيعية، وفق الحضور.
فهل تنجح محاولة توحيد العملة وتشكيل تكتل اقتصادي ثلاثي في هذا التوقيت؟ وما قدرة هذه الدول على الخروج من تحت عباءة الدول المستعمرة لها سابقا؟
“صعوبة التنفيذ”
من جهته رأى وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى التويجر أنه “من الطبيعي أن تحدث مثل هذه اللقاءات بين الدول المتجاورة للعمل على تنمية المناطق الحدودية، وتوفير بدائل اقتصادية للتهريب الذي يضر باقتصادات هذه الدول، وكذلك لتوفير الأمن والاستقرار في هذه البلدان، ولعل هذا اللقاء قد جاء تتويجا للقاء رؤساء هذه الدول”.
واستدرك قائلا لـ”عربي21″: “لكن هذا اللقاء جاء في وقت تنقسم فيه ليبيا إلى حكومتين تعمل كل منهما في صراع مع الأخرى، في وضع أمني وسياسي غير مستقر، وفي غياب كامل للرؤية الاقتصادية الوطنية الشاملة، ما يجعل هذا الملتقى مجرد حدث منفرد مثله مثل عديد اللقاءات التي لا تترك أثرا في السياسات ودوافع التنمية والاستقرار”، وفق قوله.
“تكامل اقتصادي ودور للجيش“
في حين أكد وزير الدفاع الليبي الأسبق، محمد البرغثي أن “هذه محاولات يقودها المستثمرون من التجار في البلدان الثلاث، وقد تطورت أخيرا بوجود كثير من السلع التونسية والجزائرية في الأسواق، وبالمقابل من ليبيا بفتح الاعتمادات، وقد تتطور الفكرة إلى لقاءات للحكومات الثلاث لدعم هذه الاستثمارات للشروع في فكرة التكامل الاقتصادي”.
وبخصوص تأمين المناطق الحرة بين الدول الثلاث، قال الوزير لـ”عربي21″: “بالنسبة لتأمين الحدود اتخذت إجراءات سابقة منذ اجتماع رؤساء الحكومات الثلاث في مدينة غدامس الليبية الحدودية عام 2013، وكنت حاضرا للاجتماع كوزير للدفاع، وحضره أيضا كل من وزير الدفاع الجزائري والتونسي، وتم الاتفاق على احترام الحدود الحالية وتحديد منافذ لدخول مواطني البلدان الثلاث، وتسهيل إجراءات السفر وتبادل السلع التجارية، واعتماد الإجراءات الجمركية، واتفقنا على تأمين هذه المنافذ من قبل الجيش لكل من الدول الثلاث”.
“تحديات تشريعية واقتصادية”
رئيسة لجنة التنمية المستدامة بمجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص قالت من جانبها إن “فكرة إنشاء المناطق الحرة والتكتلات الاقتصادية التي تخدم مصالح الشعوب بعدالة وتحقق لهم الرفاه، فكرة بناءة طالما هناك بنية تحتية منصفة لشعوب الدول الثلاث، لكن لابد أن ندرس جيدا مدى استفادة المواطن الليبي من مثل هذه الاستراتيجية وما الذي سيحققه مثل هذا الطرح للمواطن الليبي وللاقتصاد الوطني وهل يكون المواطن الليبي مجرد مواطن مستهلك بينما مواطني دولة تونس والجزائر يحققون عوائد مالية واقتصادية”.
وأكدت في تصريحات لـ”عربي21″ أن “مثل هذه البرامج ستواجه تحديات تشريعية واقتصادية واجتماعية داخلية، كون الأفكار أحيانا تحتاج إلى واقع أكثر إنصافا للكل وليس للجزء، فكرة جيدة لكن تحتاج إلى دراسة تضمن حقوق كل الشركاء على قدم المساواة، وأن يكون الهدف بين الدول الثلاث هو هدف اقتصادي بحت بعيدا عن الصراعات السياسية الإقليمية والدولية وغيرها من الصراعات السامة التي تلقي بظلالها على الساحة الليبية، وفق تقديرها.
وتابعت: “لا ننسى أن تونس والجزائر تتمتع باقتصادات صغرى ومتوسطة في مجالات شتى ومختلفة، بينما ليبيا تعتمد بشكل أكثر على موارد الدولة، لكن عموما يقدم هذا الطرح الكثير من الإيجابيات إذا تم العمل عليه بهدف تحقيق مصالح الجميع، ومن المهم أن تتجه شعوب شمال أفريقيا إلى توحيد الجهود لضمان سلامة واستقرار بلدانها وتقدم اقتصاداتها بشكل أفضل ومستدام”، كما صرحت.
“اتحاد مغاربي موازي”
الناشط والمحلل السياسي الليبي، وسام عبد الكبير قال إن “الملتقى محاولة للخروج من عباءة اتحاد المغرب العربي الذي توقف نشاطه منذ حوالي 30 سنة، بسبب الخلافات بين الرباط والجزائر، وربما يحقق المنتدى الاقتصادي بين الدول الثلاث بعض الانفتاح في المجال الاقتصادي، لكن من الصعب جدا خلق كيان مواز للاتحاد المغاربي، كون ليبيا دولة مؤسسة فيه ولن تقبل على المدى البعيد وجود كيان مواز له”.
وأوضح أن “التنقل بين الدول الثلاثة ميسر من غير تأشيرة، رغم استمرار إغلاق الحدود البرية بين ليبيا والجزائر والتي تعثر فتحها أكثر من مرة، أما توحيد العملة والتكامل الاقتصادي التام فهو أمر صعب أن يتحقق الآن، كونه يحتاج إلى مناخ أكثر استقرارا من الناحية الأمنية والاقتصادية، بحسب تصوره وتصريحه لـ”عربي21”.