العربي الجديد-
تصاعدت حدة الخلافات بين رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح وأبناء حفتر، الذين سعوا مؤخراً إلى حشد كتل نيابية للإطاحة بصالح للاستحواذ على قرار المجلس.
وقال النائب بدر النحيب، في تصريحات صحافية الاثنين (01 يناير 2024م) إن 86 نائباً تقدموا إلى هيئة رئاسة مجلس النواب بطلب لتغيير رئاسة المجلس وضرورة اعتماد نظام الدورات البرلمانية التي تحتم تغيير رئاسة المجلس على فترات.
وأوضح النحيب أن الطلب وصل إلى هيئة الرئاسة منذ الأسبوع الماضي، مؤكداً أنه ستتم مناقشته في جلسة رسمية خلال الفترة المقبلة، دون أن يحدد موعد الجلسة.
وكشفت مصادر برلمانية متطابقة لـ”العربي الجديد” النقاب عن علاقة طلب تغيير رئيس مجلس النواب بارتفاع حدة الخلافات مؤخراً بين عقيلة صالح وبلقاسم حفتر، موضحة أن الأخير هو من دفع النواب الموالين له لتقديم طلب إقالة صالح.
صراع على صندوق إعادة إعمار درنة
وأوضحت المصادر أن تحرك بلقاسم يأتي بعد محاولة عقيلة صالح عرقلة قرار تسمية ابن حفتر مديراً تنفيذياً لصندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة من فيضانات العاصفة “دانيال” شرق البلاد، الذي أصدره رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، وبعد طلب عقيلة صالح من لجنة التخطيط والموازنة المالية بمجلس النواب منع صرف أي أموال للتنمية إلا بعد موافقته، بقصد قطع الطريق أمام بلقاسم ومنعه من الوصول إلى أية أموال من خلال صندوق إعمار درنة.
وأصدر حماد قراراً، في 27 من ديسمبر الماضي، بتعيين بلقاسم حفتر مديراً تنفيذياً لصندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة من فيضانات العاصفة “دانيال”، التي ضربت مناطق شرق ليبيا في سبتمبر الماضي.
وفي اليوم التالي، نشر المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب خطاباً من عقيلة صالح إلى لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة في مجلس النواب، يطالبها فيه بعدم الموافقة على صرف أو توزيع أي مبالغ مالية من الباب الثالث المتعلق بالتنمية إلا بعد عرض الأمر عليه، كما طالب محافظ المصرف المركزي ورئيس هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ديوان المحاسبة بالعمل وفق ما جاء في خطابه هذا.
ويستبعد المصدر البرلماني تمكن كتلة بلقاسم النيابية من إزاحة رئيس مجلس النواب الليبي من منصبه، موضحاً أنه “في الوقت الحالي لا يبدو أن ذلك ممكن، خصوصاً أن عقيلة صالح شخصية رئيسية في الحوار الأممي المزمع عقده بين القادة الليبيين الخمسة، كما أن طلب تغيير هيئة الرئاسة سيطاول نائبي الرئيس، بمن فيهم النائب الثاني مصباح دومة الذي يعد يد بلقاسم الضاربة داخل المجلس”.
لكن المصدر عاد ليستدرك بالقول إن “المخاطر تتعلّق بسخونة الخلاف بين أبناء حفتر وعقيلة صالح، فإذا ما تصاعدت الخلافات أكثر فكلا الطرفين يملكان أوراقاً يمكنهما اللعب بها، لكنهما سيخسران مع استمرار انقسام المجلس في شكله الحالي، علاوة على أثر هذا الانقسام على العملية السياسية وملف الانتخابات”.
ونفى المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب، فتحي المريمي، علمه بتقديم مجموعة نواب طلب تغيير هيئة رئاسة المجلس، كما كذّب الأخبار الخاصة بوجود خلاف بين عقيلة وبلقاسم حفتر، وقال لـ”العربي الجديد” إن “ما يُتداول بهذا الشأن عار تماماً عن الصحة”.
وباستثناء جلسة الاثنين، لم يدع عقيلة لعقد جلسات رسمية منذ نوفمبر الماضي. وحول ذلك يقول المريمي: “لقد صادق مجلس النواب على القوانين الانتخابية وأصدرها وأحالها للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، لكن سياسة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي ودعوته الأخيرة لاجتماع خماسي جمدت المشهد، ولهذا لم تعقد أي جلسات”.
مجلس النواب بين صالح وأبناء حفتر
من جهة أخرى، ورغم عدم توقيعه على طلب تغيير هيئة رئاسة مجلس النواب، أكد عضو مجلس النواب الصادق الكحيلي أن الدافع وراء مطالب تنحية عقيلة صالح تعود لما وصفه بـ”تخبطه واستحواذه على الرئاسة، وإصدار قرارات دون الرجوع لهيئة الرئاسة، ولا حتى للقاعة والنواب”.
وأضاف الكحيلي، في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أن “عقيلة صالح يعقد الجلسات على مزاجه، ويصيغ جدول الأعمال دون الرجوع للنواب، الذين غالباً ما تهمل مقترحاتهم بالخصوص، ولا يُلتفت إلا لما فيه مصلحته أو مصالح الجهات المقربة أو الداعمة له”.
وأكد الكحيلي أن “رئاسة المجلس لا تلتزم بلائحته الداخلية، حتى وصل الأمر لتعليق جلسات لسنتين وثلاث، وهناك نواب في المنطقة الشرقية والغربية أيضاً باتوا مستائين من تخبط عقيلة والرئاسة كاملة”.
ووفق النائب ذاته، فإن “سلوك عقيلة الانفرادي والمصلحي قديم، لكن الظروف لم تكن تسمح بتغييره، فقد كان يسير وفق هوى نواب الشرق الذين تغيرت رؤية بعضهم تجاهه مؤخراً”، مبيناً أن سعي الموقعين على طلب تنحية عقيلة يدفع نحو إقرار دورة برلمانية تتغير فيها هيئة الرئاسة كل سنة، على غرار ما يفعل المجلس الأعلى للدولة”.
وخلال السنوات الماضية، شهد مجلس النواب حراكاً لتنحية عقيلة من منصبه، الذي يحتفظ به منذ تشكيل المجلس في 2014، ومن بينها جلسة حضرها أكثر من 100 نائب في مدينتي الزنتان وصرمان في 2017.
وتقلص الخلافات بين عقيلة وأبناء حفتر من سيطرته على قرار المجلس بشكل كبير، خاصة بعد انتقال مقر مجلس النواب إلى بنغازي (عقب احتراق مقره في طبرق في يوليو 2022)، حيث تتركز سيطرة أبناء حفتر.
ورغم مرور العلاقة بين عقيلة صالح وحفتر بفترات سيطر عليها الفتور، إلا أن بروز أبنائه في المشهد وتزايد رغبتهم في السيطرة وتوسيع نفوذهم بشرق ليبيا اصطدم بحرص رئيس مجلس النواب الليبي على الحفاظ على سيطرته على قرار المجلس، ما دفع بلقاسم إلى تكوين تكتل نيابي معارض داخل مجلس النواب بقيادة النائب مصباح دومة في مارس الماضي.
وتمكن الطيف النيابي المعارض داخل مجلس النواب من إقصاء العديد من الشخصيات الموالية لعقيلة من المشهد، أبرزهم رئيس حكومة مجلس النواب فتحي باشاغا، وتعيين حماد المقرب من بلقاسم، وإقالة علي الحبري نائب محافظ البنك المركزي، في جلستين للمجلس في غياب رئيسه عقيلة صالح.