العربي الجديد-
كشفت مصادر ليبية متعددة، اليوم السبت، لـ”العربي الجديد”، أن الاجتماع الأوروبي الأميركي الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس منتصف الأسبوع الماضي كان بهدف التوافق على رؤية موحدة لدعم بناء وتدريب قوة عسكرية ليبية مشتركة في ظل تصاعد خطر الوجود العسكري الروسي، ما يضيف حلقة جديدة إلى التنافس الدولي على ليبيا. وأوضحت المصادر (حكومية وعسكرية من طرابلس) أن خمسة من قادة المجموعات المسلحة في غرب ليبيا على الأقل أحيطوا علماً بنتائج لقاء باريس، الذي جرى الثلاثاء الماضي، وضم ممثلين عن إيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية إلى جانب فرنسا، وناقش أهمية تشكيل قوة عسكرية ليبية مشتركة لمهمة تأمين الحدود والمواقع الحيوية في الجنوب الليبي، ومدى استعداد الدول المشاركة في الاجتماع لدعم تشكيل تلك القوة.
ووفقا للمصادر ذاتها التي اشترطت عدم كشف هويتها، فإن قادة المجموعات المسلحة الليبية أبلغوا من خلال رئاسة الأركان العامة التابعة للحكومة في طرابلس بأن الاجتماع انتهى إلى وضع تصور أولي بشأن قناعة الدول الأربع بضرورة دفع القيادة العسكرية نحو تشكيل قوة عسكرية ليبية مشتركة ودعمها بالتدريب وتمكينها من الحصول على تسليح للمهام الأمنية والدفاعية لتأمين قطاعات في جنوب ليبيا، وعلى رأسها الحدود الجنوبية والمواقع الحيوية للنفط والمياه، ومواجهة أنشطة التهريب ونقل المهاجرين غير الشرعيين.
وأشارت المصادر إلى أن المجاميع المسلحة لم تقابل الخطوة بالقبول التام لتخوفها من إمكانية استخدامها أذرعاً عسكرية لمواجهة خطط التوسع الروسي في الجنوب الليبي، وسط تعارض الآراء حيال رؤية الاجتماع بشأن ضم جزء من مكونات “مليشيا طارق بن زياد” التابعة لحفتر، حيث يقف بعض القادة العسكريين في طرابلس موقف الرفض الكلي للشراكة مع حفتر، بينما يعتبر بعضهم وجود قواته عامل ضمان لعدم استخدام القوة المشتركة في مواجهة مع الروس بالوكالة. وتأتي هذه التحركات الأوروبية الأميركية تزامنا مع تداول وسائل إعلام ليبية أنباء عن مساع لبناء فيلق ليبي أوروبي يهدف إلى تشكيل نواة قوة عسكرية ليبية مشتركة في غرب البلاد.
ما وراء تشكيل قوة عسكرية ليبية مشتركة
تعليقاً على ذلك، قال المهتم بالشأن السياسي أحمد العاقل إن “اجتماع باريس بمثابة رغبة أميركية أوروبية في بناء تحالف من غير شك أنه على علاقة بخطر التمدد الروسي العسكري، فثقل الدول المشاركة في هذا التحالف يشير إلى وصول مستوى الوجود الروسي إلى مراحل خطرة تهدد المصالح الأميركية والأوروبية”، معتبراً في حديثه لـ”العربي الجديد” أن الأنباء بشأن عزم واشنطن ودول أوروبية بناء قوة عسكرية ليبية مشتركة “صحيحة، وتدعمها الزيارات الكثيفة التي يجريها المسؤولون الأميركيون لقوى المسلحة في غرب البلاد”. وتابع: “الاعتقاد أنها زيارات لإقناعها بالتوحد تحت قيادة مشتركة فقط غير مقبول، بل لتدريبها وتسليحها بمستوى يجعلها قادرة على زعزعة استقرار سعي موسكو في مواصلة التمدد في الجنوب، وخطر امتلاك تلك المجموعات أسلحة متطورة يقضي بضرورة وجود إدارة وإشراف أوروبي أميركي على حركة واستعمال السلاح”.
وفيما يرى العاقل أن مشروع بناء قوة عسكرية ليبية مشتركة قد تمرره الدول الأربع عبر أعمال البعثة الأممية بصلاحياتها في الوساطة بين أطراف الصراع الليبي، خاصة من خلال لجنة (5+ 5) العسكرية المشتركة بين معسكري غرب وشرق البلاد، استبعد الأكاديمي والأستاذ السابق بكلية الدراسات للعلوم الأمنية رجب انبيه وجود عوامل لنجاح سريع لهذا المشروع. وأوضح انبيه في تصريح لـ”العربي الجديد: “لا أعتقد أن الرؤية الأوروبية الأميركية تهدف لبناء فيلق ليبي أوروبي في الغرب يعمق حالة الانقسام ويجلب الاحتراب مرة أخرى، بل الرؤية تبدو أوسع وتضم أيضا حفتر بهدف إضعاف الوجود الروسي الذي يستند إليه”.
واستقبل حفتر في الأشهر الأخيرة مسؤولين في السفارة الأميركية، صرحوا أكثر من مرة عن دعم بلادهم توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، كما شارك السفير البريطاني لدى ليبيا مارتن أندرو في عرض عسكري أقامه حفتر في بنغازي بمناسبة مرور عشر سنوات على “عملية الكرامة” التي أطلقها في بنغازي عام 2014. ولفت انبيه إلى أن علاقات القوى المسلحة في غرب البلاد لا تشهد توافقاً، بل خلافات عميقة وهو ما قد يعيق بناء قوة مشتركة بينها، خاصة القوى المسلحة في مصراتة والزنتان والزاوية التي تعارض بشدة الحكومة في طرابلس ورئيسها عبد الحميد الدبيبة المتحالف مع قوى طرابلس المسلحة، مشيراً إلى عامل آخر يتعلق بأن الحديث عن بناء قوة عسكرية مشتركة ارتبط في الأساس بالعقد الموقع بين الشركة الأميركية ووزارة الدفاع بالحكومة في طرابلس.
لا مواجهة بعد
وفي مارس الماضي، كشفت مصادر ليبية متطابقة عن وصول شركة “أمنتوم” الأميركية إلى ليبيا وفقاً لعقد موقع مع حكومة الوحدة الوطنية، للعمل مقاولاً لوزارتي الدفاع والخارجية الأميركية لتنفيذ خطط أميركية تستهدف إصلاح القطاع الأمني الليبي، وتدريب قوات الأمن التابعة للحكومة على مهام الحماية الشرطية وحماية الحدود، وللإشراف على تكوين نواة قوة عسكرية ليبية موحدة.
وتابع انبيه حديثه بالقول: “اجتماع باريس واجتماعات الروس بحفتر لا تعتبر دليلاً على الوصول إلى مرحلة المواجهة، وكلا الطرفين (الروس والدول الغربية) يدركان هشاشة الوضع الليبي وصعوبة احتساب أي طارئ، وكمثال على ذلك المخاطر من انقسام المؤسسة الدينية في هذا التوقيت الدقيق الذي ربما تكون له أسباب متصلة بالموقف من التدخل الأجنبي”، مشيراً إلى أن تصريحات مفتي البلاد الشيخ الصادق الغرياني التي دعا فيها، قبل أيام، لمقاومة الوجود الروسي العسكري في البلاد، قد تقابلها آراء من دار الإفتاء الجديدة في بنغازي تدعو لمقاومة الوجود الأميركي الأوروبي في غرب البلاد.
ويضيف انبيه: “حدث في السابق أن دخلت المؤسسة الدينية في اصطفافات الصراع المسلح خلال الحرب على طرابلس، فدار الإفتاء في طرابلس وهيئة الأوقاف في بنغازي كلتاهما شرعتا الحرب على الآخر، ولا أعتقد أن حسابات الروس والغرب تغيب عنها مثل هذه المخاطر”. وعلى خلفية تزايد إرسال روسيا شحنات أسلحة وعتاد عسكري إلى ليبيا في الآونة الأخيرة، دعا مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني إلى مقاومة الوجود الروسي “والجهاد ضده”، معتبرا إياه “غزواً واحتلالاً”. وفي الأسبوع الثاني من مايو الجاري، أصدر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد قرارًا بإنشاء دار للإفتاء في بنغازي، ومنحها كافة صلاحيات ومهام الفتوى وإدارة الشأن الديني.