العربي الجديد-
لا يزال جدل انتخابات رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا قائما ويلقي بظلاله على وضوح نتائجها، في الوقت الذي عبّر فيه مراقبون عن خشيتهم من أن يؤدي الانقسام داخل المجلس إلى انهياره واختلال موازين العملية السياسية المتعثرة من أصلها.
وبعد أن مرت عملية التصويت على اختيار رئيس مجلس الدولة الليبي خلال جلسة انعقدت يوم الثلاثاء (06 أغسطس 2024م) بمشاركة 139عضوا، بجولتين انتهت بحصول رئيس المجلس السابق خالد المشري على 69 صوتا، والرئيس الحالي محمد تكالة على 68 صوتا، وامتناع عضو عن التصويت واستبعاد ورقة تصويت عضو آخر بسبب مخالفته لشروط التصويت، اندلع جدل حاد بين الأعضاء على خلفية إسقاط الورقة المخالفة لشروط التصويت من العد.
وعلى خلفية هذا الجدل انقسم الموقف حيال الورقة الجدلية، ففيما طالب أنصار تكالة باحتساب الورقة كون المصوت كتب اسم تكالة على ظهر الورقة دون أن تحمل أي رموز أخرى تشير إلى قصد معين، ويصير بذلك تكالة نظير المشري في عدد الأصوات لتجري جولة تصويت ثالثة للحسم، تشدد أنصار المشري في اعتبار أن كتابة اسم المرشح على ظهر الورقة في حد ذاته سبب كاف لإسقاطها من العد وفقا للائحة المجلس. وتبطل لائحة المجلس أي ورقة تحمل أي “علامة تعريف أو تمييز”، وعلى ضوء ذلك يصبح المشري متقدما على تكالة بصوت وتؤول إليه الرئاسة.
ولحسم الخلاف قرر تكالة، الذي كان يترأس الجلسة، تعليق الجلسة للتشاور في جلسة مغلقة، قبل أن يستأنف الجلسة ويعلن عن إحالة أوراق التصويت إلى القضاء للبت فيها، إلا أن المشري خرج في مؤتمر صحافي ليعلن رفض ذلك، وأنه سيبدأ في ممارسة مهامه بصفته الرئيس الشرعي.
وتواصل الجدل بين الرئيسين، إذ أصدر تكالة بيانا تاليا أعلن فيه عن إعادة التصويت في جولة ثالثة في العشرين من الشهر الجاري إذا لم يحسم القضاء القضية قبل هذا التاريخ، ليعترض المشري مرة أخرى؛ مشيرا إلى أن إعلان تكالة “إعلان باطل صدر عن غير ذي صفة”.
وأضاف المشري في بيان له ردا على إعلان تكالة بأن “النظام الداخلي للمجلس ينص على أن مدة ولاية مكتب رئاسة المجلس هي فقط سنة واحدة من تاريخ انتخاب مكتب الرئاسة، وبالتالي فقد انتهت مدة ولاية تكالة بالانتخاب وبالمدة القانونية”. واعتبر أن تكالة “ليس رئيسًا للمجلس حتى يدعو إلى عقد جلسة أو غير ذلك”. وجدد تمسكه بنتيجة الانتخابات لصالحه، وقال “أعتبر نفسي الرئيس الشرعي لمجلس الدولة”، وأنه سيبدأ في ممارسة مهامه بناء على نتائج الانتخابات.
ويجري مجلس الدولة الليبي انتخابات رئاسته سنويا وبشكل دوري منذ تشكله عام 2015، إذ تولى رئاسته بداية عبد الرحمن السويحلي، قبل أن ينتخب خالد المشري بديلاً عنه عام 2018، واستمرت في رئاسته لخمس دورات متوالية، وفي العام الماضي تم اختيار تكالة خلفا للمشري.
وتشكل مجلس الدولة الليبي جسما استشاريا لمجلس النواب وفقا لاتفاق الصخيرات الموقع عام 2015، كما أنه قام بالعملية السياسية بالشراكة مع مجلس النواب طيلة السنوات الماضية.
وكما ظهر الانقسام بين أعضاء المجلسين إلى جانب الطرفين، انعكس الخلاف على تصريحات الكثير منهم. وتعتبر عضو مجلس الدولة أمينة المحجوب أن الورقة الجدلية التي لم تحتسب لصالح تكالة “صحيحة، ولم تخالف اللائحة”، مشيرة في حديث لـ”العربي الجديد” أن القضاء سيقول كلمته الفصل فيها.
في المقابل، اعتبر عضو مجلس الدولة عبد السلام الصفراني أن الورقة احتوت على تمييز، فالموضع المخصص لكتابة الاسم واضح في وجه الورقة، وبالتالي فهي ملغاة بصحيح نص لائحة المجلس. وأشار الصفراني في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى جانب آخر، يتعلق بقبول مراقب عملية العد الممثل لتكالة استبعاد الورقة أثناء عملية العد، ثم طالب بإرجاعها عندما تبين وجود فرق في الأصوات.
خلاف مجلس الدولة الليبي: سياسي؟
ويرى بلقاسم القمودي، المحامي والناشط الحقوقي، بطلان الورقة الجدلية بالاستناد إلى لائحة المجلس الواضحة في دلالة انطباق نصوصها عليها، كونها تميزت عن باقي الأوراق الأخرى التي كتب فيها اسما المرشحين في الخانة المخصصة للاسم. ويضيف في هذا السياق: “وحتى مع اعتبار حسن النية لدى المصوت وأنه كتب اسم مرشحه في ظهر الورقة بالخطأ، فعند عد الأصوات لا يعتد إلا بالمكتوب في الخانة الخاصة باسم المرشح في وجه الورقة، وعليه فهي ورقة بيضاء لخلو الخانة المخصصة من أي اسم”.
ويستدرك القمودي في حديثه لـ”العربي الجديد”، بالقول أن “بيت القصيد ليس هنا، بل في التوصيف القانوني لهذا الأمر، ليبنى عليه تحديد الجهة المخولة بالفصل فيه، هل الخلاف إداري حول خطأ إداري ليفصل فيه القضاء الإداري أم دستوري لتفصل فيه المحكمة الدستورية”. وتابع: “كما أن بالمجلس لجنة قانونية تحال إليها مثل هذه الإشكالات لتفصل فيها بناء على لوائح المجلس المنظمة لعمله”، لافتا إلى أن إحالة تكالة الخلاف إلى القضاء “خطأ ستترتب عليه مشاكل كبيرة، وموقف المشري أقوى في مركزه القانوني من موقف تكالة”.
ويرى الحقوقي الليبي أن الخلاف داخل مجلس الدولة الليبي ليس قانونيا، بل خلاف سياسي يتجاوز تكالة والمشري، ويرتبط براهنية مصالح سياسية يمثلها الرجلان يحققها فوز أي منهما لصالح حلفائه خارج المجلس، مؤكدا أن حل الخلاف هو حل سياسي وليس قانونيا.
في المقابل، يرى المحلل السياسي والصحافي عبد الله الكبير أن الورقة الجدلية لا تخالف اللائحة الداخلية للمجلس كونها احتوت اسما فقط دون أي رموز أو إشارات أخرى قد يُفهم منها تمييز أو تعريف، مؤكدا أن اللجوء إلى القضاء “يحسم الخلاف ليتسلم الرئاسة تكالة أو المشري وفق صحيح القانون بعيدا عن الشكوك في شرعيتها”.
وفيما يرى الكبير صحة إجراء تكالة بإحالة الأمر الى القضاء أو إجراء جولة تصويت ثالثة، يرجح أن يكون وراء رفض المشري إجراء جولة ثالثة للتصويت “خوفه من أن لا يتحصل على هذه الأصوات التي تحصل عليها مجددا، خاصة وأن اللائحة ستحسم الأمر لتكالة إذا تساوت الأصوات في الجولة الثالثة بأن تؤول الرئاسة إلى الأكبر سنا، وتكالة أكبر سنا من المشري”.
ويلفت المحلل الليبي إلى جانب آخر يتعلق بتداعيات ما يشهده مجلس الدولة من انقسام حاد بين أعضائه، معتبرا أن “تماسك المجلس الآن بات مهددا، ويمكن أن يتعمق الانقسام إذا تمسك المشري بموقفه وأنه الرئيس الشرعي ومعه أنصاره، والنصف الآخر سيرفض ذلك لأن المشري لا يريد أن يحتكم للقضاء ولا لجولة تصويت أخرى، وبالتالي سينقسم المجلس إلى مجلسين”.
ويعبر الكبير عن خشيته من أن عدم قدرة أعضاء المجلس على رأب الصدع بينهم “سيضعف قدرة المجلس على الاستمرار في العملية السياسية ويترك فراغا يمكن أن يتحرك فيه مجلس النواب بحرية ويصدر القرارات العابثة بالعملية السياسية منفردا دون وجود من يردعه”.
ويدعو الكبير إلى ضرورة إجراء انتخابات برلمانية توحد السلطة التشريعية وتنهي خلافات مجلسي النواب والدولة طيلة السنوات الماضية في إحداث أي توافق يمكن أن ينهي أزمة البلاد السياسية.
المزيد:
المشري يرفض ما عرضه تكالة بتحديد 20 أغسطس موعد لجولة جديدة لانتخابات مجلس الدولة