اخبارالرئيسيةعيون

متاجر طرابلس تعود بحذر وسط مخاوف من تجدّد الاشتباكات وتدهور الاقتصاد

العربي الجديد-

بدأت أسواق ومتاجر العاصمة الليبية طرابلس تستعيد نشاطها تدريجياً منذ يوم السبت الماضي، وتسارعت وتيرة عودة الحياة صباح الأحد (18 مايو 2025م) مع استئناف الدراسة في جامعة طرابلس والمدارس، وعودة الموظفين إلى أعمالهم.

ورغم هذا الانتعاش، فإن أجواء الحذر لا تزال تخيّم على المدينة الأبرز في ليبيا، وسط مخاوف من تجدّد الاشتباكات المسلحة التي توقفت صباح الأربعاء الماضي. ويصف السكان هذه العودة بأنها بمثابة “التقاط أنفاس” للمجموعات المسلّحة، في إشارة إلى هشاشة الوضع الأمني والهدوء السائد. وفي موازاة ذلك، شرعت الشركة العامة للنظافة، بمساندة الأجهزة الأمنية، في إزالة مخلفات القتال من أحياء عدّة  في وسط طرابلس، كما بدأ سكان منطقة الفرناج، لا سيّما في عمارات الحي الطبي، بإصلاح النوافذ المتضرّرة جراء الرصاص المتطاير، بينما خسر كثيرون سياراتهم التي التهمتها القذائف العشوائية.

وتعكس هذه التطوّرات الأثر العميق للاقتتال المتكرّر على الحياة الاقتصادية والتجارية في طرابلس، لا سيّما في ظل الانهيار المزمن الذي تعانيه البلاد، فقد اندلعت اشتباكات عنيفة مساء الثلاثاء (13 مايو 2025م) بين جهاز الردع واللواء 444 مشاة، وحوّلت مناطق وسط طرابلس إلى ساحة حرب، امتدت آثارها إلى أحياء أخرى بفعل القذائف العشوائية. وأسفرت المواجهات عن احتراق عشرات السيارات والممتلكات الخاصة، وتضرّر واجهات المحال التجارية والأسواق، كما طاولت أضرارها مجمع “ذات العماد” التجاري الذي يضم مكاتب شركات محلية وأجنبية، إذ تصاعدت أعمدة الدخان من أحد أجنحته، في مشهد أعاد إلى الأذهان هشاشة الاستقرار في طرابلس.

ويقول صاحب محل لبيع المواد الكهربائية في طريق المطار محمد العباني، لـ”العربي الجديد”، إن بضاعته تضرّرت جزئياً بسبب تطاير شظايا مقذوف سقط عشوائياً على حافة الطريق، ورغم محدودية خسائره، فإنه يعتبر أن ترسّخ عامل الأمن ضروري لاستمرار عمله، إذ إن تكرار الاشتباكات قد يحوّل الخسائر النسبية إلى تهديد وجودي للمحل.

ويثير تكرار المواجهات، دون توصل السلطات إلى حلّ جذري لحالة التنافس بين المجموعات المسلحة، قلق سكان طرابلس، لا سيّما التجار والباعة الذين يرون أن الحياة الاقتصادية باتت محفوفة بمخاطر اندلاع الحروب المفاجئة. وعلى الرغم من إعلان الحكومة في طرابلس عن وقف إطلاق النار منذ صباح الأربعاء، فقد استمرت معظم المحال التجارية في إغلاق أبوابها منذ غروب الشمس تحسّبًا لتجدّد القتال خلال اليومين التاليين، وإن كانت محال قد فتحت أبوابها سعيا للرزق.

وفي هذا السياق، يشرح علي حسين الصغيّر، الذي يدير بقالة صغيرة في حي الهضبة الشرقية في طرابلس، كيف أصبحت تجارته رهينة لصراعات المجموعات المسلحة، فكلما فكر في توسيع بقالته، يتراجع عن الفكرة عند تجدّد الاشتباكات، خوفاً من أن يلقى مصير أحد جيرانه، الذي احترقت ورشة صيانة السيارات الخاصة به في اشتباكات سابقة عام 2023، ولم يتمكن حتى الآن من تعويض خسائره. ويضيف الصغيّر أن هناك عوامل أخرى تهدّد تفكيره في التوسعة، أبرزها ما شهدته منطقة أبوسليم من عمليات سطو وسرقة طاولت المحال التجارية خلال المواجهات، على يد مسلحين مخربين.

وتبدو الضربة الأقسى في تأثير الاشتباكات على ثقة المستثمرين، التي بدأت تتعافى تدريجياً خلال فترة الاستقرار النسبي الماضية. ففي صباح الثلاثاء، الذي شهد اندلاع القتال مساءً، افتتحت الحكومة دورة جديدة من “معرض ليبيا بيلد” الصناعي بمشاركة 260 شركة محلية ودولية، من عشر دول بينها تونس، إيطاليا، تركيا، الكويت، والصين، في محاولة لجذب الاستثمارات، لكن المشهد الدامي في الشوارع دفع الشركات المشاركة إلى سحب ممثليها، وإلغاء حجوزات الفنادق، وتأمين نقلهم إلى مدينة مصراتة، شرق طرابلس، تمهيداً لإعادتهم إلى بلدانهم عبر مطار المدينة، خصوصاً بعدما تعرّض فندق “كورنثيا”، أكبر فنادق طرابلس، لأضرار مباشرة نتيجة نيران الاشتباكات.

ووراء هذه الدوامة المتكرّرة من الخسائر، تلفت آمنة سويسي، وهي من سكان حي الفرناج، إلى سبب رئيسي في تكرار الاشتباكات بين الأحياء السكنية، وهو وجود مقرّات إدارية وأمنية تتخذها المجموعات المسلحة مراكز لها، مثل “جهاز الردع” المتواجد في حي عين زارة والسبعة، و”اللواء 444 قتال” المتمركز في نقاط حيوية جنوب شرق طرابلس، كمراكز لتأمين الطرق والمرور. وبسبب وقوع الفرناج عند نقاط تماس بين الطرفَين، خسرت سويسي سيارتها، التي أمضت وقتاً طويلاً في تأمين ثمنها، بعد أن أصابتها شظايا القذائف. ولم تنجح خطط الحكومة الرامية إلى إخلاء طرابلس من المظاهر المسلحة، بسبب رفض العديد من المجموعات مغادرة مواقعها، خاصّة وأن معظمها يعمل تحت مسميات حكومية كأجهزة أمنية أو عسكرية، وبعضها يتواجد لحراسة مؤسسات اقتصادية حيوية كالمصارف.

لكن، تصريحات لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، أدلى بها مساء السبت، كشفت عن نفوذ هذه المجموعات المسلحة داخل المؤسسات الاقتصادية بهدف الهيمنة والتربّح، مشيراً إلى أن “جهاز دعم الاستقرار”، الذي أطيح به مؤخراً، كان يسيطر على ستة مصارف في طرابلس، وأن قادته استغلوا مواقعهم لابتزاز المسؤولين واعتقالهم إذا لم ينفذوا مطالبهم.

ولا تقلّ التكلفة البشرية لهذه الحروب قسوة عن الخسائر المادية، فإلى جانب الأضرار التي لحقت بمصادر رزق المواطنين، لم تعلن السلطات حتى الآن عن حجم خسائر العمالة الوافدة، سواء العاملة في الشركات الخاصة أو الكبرى، ومنها شركات تنفذ مشاريع حيوية مثل الطريق الدائري الثالث الذي يخترق طرابلس، وحتى صباح الأحد، لم تستأنف الشركات أعمالها بعد.

من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية في طرابلس، الأحد، أن فرق الحصر والتقييم تلقت 39 بلاغاً عن أضرار ناتجة عن الاشتباكات، منذ بدء عملياتها الخميس الماضي، لكنّها أشارت إلى أن أعمال الحصر لا تزال مستمرة، ما يشير إلى أن حجم الأضرار الفعلي أكبر من المعلن. وفي خضم هذا الواقع، يتساءل محمد العباني بمرارة: “كم سننتظر قبل أن تعود المليشيات لتمزّق الحياة من جديد؟ ومتى ستتمكن السلطات من وقف هذه الصراعات التي لا تعني شيئاً سوى مصالح أصحابها؟”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى