العربي الجديد-
لاقت مبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، مواقف محلية متعارضة بين الرفض والترحيب بها، أو الصمت حيالها، ما يجعل آفاق نجاحها غير واضحة حتى الآن، رغم الترحيب الدولي الواسع بها.
وعلى الرغم من أنّ باتيلي، أعلن، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، مساء الاثنين (27 فبراير 2023م)، مضمون مبادرته التي تقضي بتشكيل لجنة حوار سياسي جديدة تجمع كل أصحاب المصلحة، والمؤسسات، والشخصيات، والقادة القبليين، والأطراف ذات المصلحة، والنساء، والشباب، وتكون مهمتها الوصول إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، من خلال تيسير اعتماد الإطار القانوني وخريطة الطريق المحددة وفق جدول زمني لعقد الانتخابات في 2023، إلا أنه لم يعلن تفاصيل أكثر من ذلك.
ولم ترشح حتى الآن أي معلومات عن تفاصيل تلك اللجنة، غير أن مصادر ليبية مقربة من مجلسي النواب والدولة كشفت عن الشكل الأولي لها، وأوضحت لـ”العربي الجديد” أنها “ستتشكل من أربعين عضواً، بواقع عشرة أعضاء ممثلين عن كل من: الأطراف السياسية الحاكمة في المشهد الحالي، وأطراف القوى المسلحة، والأطياف القبلية، والأحزاب والقوى المدنية”.
وفيما لا يزال المجلس الأعلى للدولة يلزم الصمت حيال المبادرة الأممية، ودعا أعضاءه إلى عقد جلسة، يوم الخميس (02 مارس 2023م)، للاستمرار في مداولة التعديل الدستوري المحال من مجلس النواب، بقصد تمريره، أبدى مجلس النواب اعتراضه على المبادرة، ووجه لها نقداً بنى أساسه على أحقية مجلسي النواب والدولة فقط في دعوة لجنة الحوار إلى الانعقاد، استناداً إلى المادة الـ64 من الاتفاق السياسي، وهي المادة التي أشار باتيلي إلى الاستناد إليها في سعيه لتشكيل لجنة الحوار السياسي الجديدة.
من جانبه، قال الباحث في الشأن السياسي خميس الرابطي، إنّ مبادرة باتيلي “مهمة لكونها جاءت في هذا التوقيت الذي انكشفت فيه مواقف مجلسي النواب والدولة الرامية إلى البقاء في السلطة، ما قد يقوي من المبادرة”، موضحاً أنّ “المجلسين يختلفان عندما يقتضي الأمر لبقائهما، ويتقاربان لذات الهدف، وهو ما تأكد أخيراً، إذ تقاربا بشكل سريع عند شعورهما بأنّ باتيلي سيتجاوزهما بالمبادرة، وهو ما وحّد موقفهما ضده الآن”.
وأشار إلى أنّ المبادرة ستلقى ترحيباً واسعاً من القوى التي لا تشارك في الحكم، ومنها الكتل الحزبية والمدنية التي بدأت بإصدار بيانات ترحيب بالمبادرة.
مكامن قوة وضعف مبادرة باتيلي
وبحسب ما يرى الرابطي في حديثه لـ”العربي الجديد”، فإنّ مكامن قوة مبادرة باتيلي أنها “تشبه مبادرة (ستيفاني) وليامز التي نجحت في إجبار المنقسمين على توحيد السلطة، ومكمن نجاحها كان الدعم الدولي وهو ما سيلقاه باتيلي أيضاً، خاصة أن فترة ولايته لا تزال مستمرة بخلاف فترة وليامز التي كانت قصيرة”.
وعبّر الرابطي في الوقت ذاته عن خشيته من إعلان باتيلي استناد مبادرته إلى المادة الـ64 من الاتفاق السياسي، قائلاً إنّ “الضعف هناك لا يتعلق بنص المادة التي تعطي صلاحية انعقاد لجنة الحوار لمجلسي النواب والدولة فقط، بل لعلاقة مجلس النواب الضبابية بالاتفاق السياسي؛ فالمجلس لم يضمن الاتفاق في الإعلان الدستوري، وباعتبار أنّ مجلس النواب أحد طرفي الاتفاق، فإنه يجعل الاتفاق غير نافذ حتى الآن، ما يضرب أساس مبادرة باتيلي”.
وعكس ذلك، يرى الخبير القانوني مجدي الشبعاني، أنّ استناد باتيلي إلى الاتفاق السياسي يعتبر “ارتكازاً على نصوص دستورية قائمة”، موضحاً، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “الاتفاق السياسي يعتبر جزءاً من الدستور الليبي؛ ولهذا لم يأتِ باتيلي بمبادرة من خارج المنظومة القانونية، لأنّ المادة الـ64 تقول إنه في حال وجود انسداد سياسي يتم العودة إلى ملتقى الحوار السياسي”.
ومع أنّ المادة الـ64 من الاتفاق تنص على أنّ مجلسي النواب والدولة هما من يتوليان دعوة هذا الملتقى للانعقاد، وهو إحدى ركائز رفض مجلس النواب للمبادرة، إلا أنّ باتيلي أشار إلى أنّ المؤسسات السياسية منقوصة الشرعية، ما يعني أنّ باتيلي “هو من سيتولى هذا الأمر”، وفق رؤية الشبعاني.
وأضاف الشبعاني أنّ “المبعوث الأممي يريد لجنة تشمل تمثيلاً لجميع الأطياف الموجودة الآن، وكأنها جسم تأسيسي، كما كان المجلس الوطني الانتقالي السابق. سيبني باتيلي من خلال اللجنة شرعيات قد تصل إلى قاعدة وقوانين انتخابية، وربما من خلالها يتم تشكيل حكومة أو معالجة مشروع الدستور، بهدف إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية”.
وذكّر الشبعاني بأنّ “قوانين انتخاب مجلس النواب تشترط إجراء استفتاء لتمديد ولايته، وهو أمر لم يتم، هذا فضلاً عن حكم الدائرة الدستورية في المحكمة ببطلان قوانين انتخاب مجلس النواب، ولهذا فمن منح الشرعية للمجلس هو الاتفاق السياسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجلس الدولة، وهذا ما يدفعهما إلى التعاطي مع الاتفاق السياسي، كذلك فإنّ المحكمة العليا أكدت شرعية الاتفاق السياسي، واعتمده مجلس الأمن فور صدوره”، وفق قوله.
وتابع قائلاً إنّ “ليبيا دولة منقوصة السيادة، وما زالت تحت الفصل السابع، ولهذا تحتاج لتمرير ما يخص الشرعية من خلال مجلس الأمن، وباتيلي يحظى بقبول في هذه الخطوة ومباركة من أعضاء مجلس الأمن. وفي حال نجاح هذه الخريطة، ستكون كل الأطراف المشاركة ليبية، والحل سيكون ليبياً خالصاً، وسيعرض باتيلي مخرجات اللجنة على مجلس الأمن للتصويت. وبما أنّ الحل ليبي، لا أعتقد أنّ أي دولة عضو بمجلس الأمن ستصوت ضد قرار الليبيين بشأن بلدهم، خاصة في حال مشاركة كل الأطياف”.
وجاء حديث الشبعاني، رداً على هواجس البعض من أن ترفض روسيا أي مخرجات للجنة الجديدة، خشية أن تؤدي إلى خلق سلطة موحدة يستعين بها الغرب في إخراج قوات “فاغنر” الروسية من ليبيا بقرار سياسي ليبي صادر عن سلطة منتخبة.
ما مدى احتمال نجاح وفشل المبادرة؟
وفي منظور الخبير القانوني، فإنّ الاحتمال الوحيد لفشل مبادرة باتيلي، مقاطعة أطراف فاعلة لعملها، كمجلس النواب مثلاً، أو من يمثل حفتر.
ويرى الشبعاني أنه “في مثل هذه الحالة سيكون اقتراح باتيلي والعدم سواء، إلا أنه استبعد وجود من يستطيع معارضة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ككل في إيجاد حل سياسي”، متوقعاً أن يوصف أي مقاطِع لعمل اللجنة بـ”المعرقل”، وأن يتعرض للعقوبات، أو أن تتم مواجهته بشكل فردي، ولهذا سيشارك الغالبية بفاعلية، بحسب توقعه، لأنّ “الجميع على علم بالخطوط الحمراء التي انتهت بنهاية فبراير، حتى عقيلة صالح الذي تحدث عن ذلك مباشرة في إحدى جلسات مجلس النواب”.
ورداً على مخاوف أخرى من عوائق قد تواجه المبادرة والخريطة القادمة، مثل المواد الخلافية والشخصيات الجدلية التي لا تزال حاضرة، يستدرك الشبعاني بالقول إنّ “الكل سيكون ممثلاً في اللجنة، ومن المؤكد أنّ قراراتها ستتخذ بالأغلبية، وما دامت البعثة الأممية هي المشرفة، فستكون الشفافية غالبة على أعمال اللجنة، وكذلك الآلية القانونية الخالية من العبث، ولهذا ستصل اللجنة إلى حلول، والمهم الآن تشكيلها، وبحجم يضمن تمثيل الجميع”، بحسب رأيه.
ويبرز الشبعاني أهمية إشراك الأحزاب السياسية، مذكّراً بأنّ “تهميش الأحزاب كان من الأخطاء التي لم تتح لمجلس النواب العمل بالشكل الصحيح، وذات الأمر بالنسبة إلى إشراك القبائل والمكونات الاجتماعية والمنظمات، ما قد يؤدي إلى حل سياسي يستطيع بناء عدالة انتقالية ومصالحة وطنية جامعة”.
وما يزيد من تفاؤل الشبعاني حيال اللجنة التوجيهية، استعداد تيارات كانت مقاطعة للمشاركة فيها، مثل أنصار القذافي، مشيراً إلى أنّ “الكل منفتح للمشاركة” وفق قوله، ولهذا هو يتوقع “مخرجات أفضل وأكثر توافقاً، لأنّ الأمر غير مقتصر على المجلسين”، اللذين تحولا إلى “أطراف صراع وليس مؤسسات سياسية تمثل الكل”.
ويرجع الشبعاني عدم كشف باتيلي في إحاطته عن تفاصيل اللجنة إلى “الخشية من أن تقابل بالرفض”، ولهذا تناول باتيلي الإطار العام، وأخذ الصلاحية في باقي التفاصيل، بحسب قوله، معتبراً أنّ “البعثة تعلّمت درساً من إفشال المبعوث السابق يان كوبيش لمشروع سابقته ستيفاني وليامز، عندما تبنى وقبِل بقوانين الانتخابات التي صاغها عقيلة صالح منفرداً، ولهذا لم يُشِد باتيلي بمشروع التعديل الدستوري الأخير الذي أقره صالح، ويسعى رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري لتمريره”، وفقاً لقوله.