عربي 21-
أثار تكرار إغلاق معبر رأس جدير الحدودي بين ليبيا وتونس وفشل الحكومات في تأمينه وافتتاحه مزيدا من الأسئلة عن طبيعة الأزمة وأسباب العجز الحكومي الأمني في السيطرة على المنطقة الحدودية الاستراتيجية بين البلدين وتأثير ذلك على العلاقات الثنائية، فما قصة المعبر وما طبيعة أزمته؟
“رأس جدير” هو معبر حدودي يقع شمال غرب ليبيا، على بعد حوالي 170 كيلومترًا غرب العاصمة طرابلس، ونحو 60 كيلومترا عن مدينة زوارة (غرب ليبيا)، ونحو 32 كيلومترا عن مدينة “بنقردان” التونسية، وتعبر منه مئات الشاحنات وآلاف المواطنين يوميا وهو نقطة العبور الرئيسية بين غرب ليبيا وجنوب شرق تونس.
من المسيطر؟
عقب الإطاحة بنظام القذافي، سيطرت قوات تابعة للمجلس العسكري لمدينة “زوارة” وهي تمثل أقلية “الأمازيغ” على رأس جدير، وضمّته رسميا إلى منطقتها الإدارية، الواقعة تحت سيطرة بلديتها، التابعة اسما للحكومة المتواجدة في غرب البلاد (حكومة الدبيبة).
وتكمن أزمة المعبر في صراع النفوذ والسيطرة بين القوات الأمازيغية وقوات حكومة الدبيبة التي تريد فرض سيطرتها على المعبر، كونها الحكومة الرسمية والمعترف بها دوليا، في حين ترفض قوة الأمازيغ ذلك كون المعبر يقع في مناطق نفوذهم ويسيطرون عليه منذ الثورة على القذافي.
ويؤدي إغلاق هذا المعبر إلى توقف مرور البضائع في كلا الاتجاهين، وحركة العديد من العمال التونسيين الذين يعملون في ليبيا وحركة الليبيين المتوجهين إلى تونس خصوصا لتلقي العلاج.
“إغلاق مكرر وفشل في افتتاحه”
وتكرر إغلاق المعبر الحدودي عدة مرات منذ بدء الأزمة بين الحكومة وقوة الأمازيغ كان آخرها في 19 مارس الماضي حيث أعلن رسميا إغلاق المعبر بسبب اشتباكات أمنية بين القوتين.
من جهتها أكدت وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة أن “المعبر الحدودي لا بد أن يعمل تحت سلطة وشرعية الدولة، وأن القوات الأخرى التي تريد السيطرة هم مجموعة خارجة عن القانون، وسيتم “اتخاذ أشد العقوبات ضدها وأنه تم إصدار التعليمات لقوة إنفاذ القانون للبدء في ذلك”، وفق بيان للوزارة.
ورغم إعلان حكومة الدبيبة رسميا أنه سيتم إعادة فتح رأس جدير الاثنين 24 يونيو إلا أن القوات الرافضة لذلك أغلقت الطريق المؤدي للمعبر ودخلت في اعتصام مفتوح، ما أجبر الحكومة على التراجع واستمرار إغلاق المعبر رغم توقيع اتفاق رسمي مع الجانب التونسي بذلك.
وقدر تقرير للبنك الدولي المبادلات التجارية بين تونس وليبيا بـ 1.5 مليار دينار تونسي سنويا، وتمثل التجارة البينية أكثر من نصف المبادلات التجارية مع ليبيا، حيث تمر غالبية السلع بشكل غير رسمي عبر معبر رأس جدير.
وتوجه اتهامات للقوات المسؤولة عن تأمين المعبر الحدودي سواء الليبية أو التونسية بالتورط في التجارة غير الشرعية والتهريب وكسب الملايين جراء ذلك، وأن فرض الإتاوات سواء على سيارات النقل والمركبات الخاصة أو المواطنين أصبح علانية وبشكل شبه رسمي.
فهل يؤكد استمرار إغلاق المعبر فشل الحكومات الليبية والتونسية أمنيا، ومتى يتم التأمين والافتتاح وفرض شرعية الدولة على المعبر؟
“تفاوض مع الأمازيغ”
من جانبها قالت عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص إن “فشل الحكومة في إعادة فتح معبر رأس جدير الحدودي بسبب أن المشكلة لم تكن مع الجانب التونسي، بل كانت أزمة داخلية بين الحكومة والجماعات المحلية بمدينة زوارة، وتكرر الفشل كون الحوار والتفاوض كان يجب أن يكون مع الأطراف المحلية وليس مع الجانب التونسي”.
وأوضحت في تصريحات خاصة لـ”عربي21″ أن “الأزمة الأساسية كانت في أسلوب وزارة الداخلية الليبية في إدارة شؤون المعبر الحدودي، والتي تسببت في مشكلة اجتماعية وأمنية، وكي تنجح مساعي عودة العمل لرأس جدير يجب أن يكون الحوار داخليا بين الحكومة والجهات الرافضة لسياسة الحكومة وداخليتها”، وفق تقديرها.
وتابعت: “على حكومة الوحدة الليبية العودة إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حلول وسط تضمن إعادة فتح المعبر تعزز من خلالها كرامة المواطن ودور الأمن لخدمة المواطن وليس لخدمة تصفية الحسابات، وإدخال تونس على خط المشكلة كانت محاولة فاشلة من الحكومة للضغط على الجماعات المحلية”، كما رأت.
“3 عوامل لفتح المعبر”
الباحث التونسي في العلاقات الدولية، البشير الجويني رأى أن “المشكلة تتركز في التباين بين السلطة المركزية في طرابلس وإدارة المعبر في رأس جدير، وأن تصوير الأمر أن مجرد التوقيع على اتفاق سيحل المشكلة أمر يقفز على حقائق عديدة تاريخية وجغرافية وأمنية”.
وأوضح في تصريحه لـ”عربي21″ أن “نجاح تأمين المعبر وإعادة فتحه مرتبط بعوامل ثلاثة: أولا سيطرة الأجهزة النظامية من الجانب الليبي، وثانيا: حل الإشكاليات ذات البعد الاقتصادي بشكل قانوني مع مراعاة خصوصيات الجهة من الجانبين التونسي والليبي، ثالثا: إخراج المعبر عن كل أشكال التجاذبات السياسية أو المناطقية واعتبار كل من يهدد سلامته وسهولة تحرك الأشخاص والبضائع والأموال ضمن نطاقه مهددا للأمن الحيوي للبلدين”، بحسب قوله.
“نفوذ التنظيمات المسلحة”
في حين أشار المحلل السياسي الليبي، وسام عبدالكبير إلى أن “تكرار فشل فتح معبر رأس اجدير كان بسبب رفض بعض التنظيمات المسلحة لمدينة زوارة للخطوة ورفضها الاتفاق بين حكومتي ليبيا وتونس، كونها رأت أن الترتيبات الجديدة لوزارة الداخلية وإعادة تنظيم المعبر هو إقصاء لتواجدها ونفوذها”.
وأضاف: “لكن بالرغم مما حدث خلال هذه الأيام من تعطيل فتح المعبر وقيام هذه المجموعات بإقفال الطريق إلا أن السلطات الليبية لا زالت لها القدرة على معالجة هذه الإشكالات، وإتمام إجراءات افتتاح المعبر مع الجانب التونسي في الأسابيع القادمة”، وفق رأيه.
المزيد: