الأناضول-
رغم الإشادة التي حظي بها اللقاء بين رئيسي مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ومجلس الدولة محمد تكالة بالعاصمة المصرية القاهرة قبل أيام، غير أن مخرجات اللقاء الأول بين الطرفين لم ترتقِ للمستوى المرتقب نظرًا لخلاف جوهري واتساع الفجوة، وفق مراقبين للشأن الليبي.
والأربعاء، أعلن المجلس الأعلى للدولة بأن رئيسه تكالة، ورئيس مجلس النواب صالح اتفقا على استمرار التشاور بشأن الأزمة السياسية في البلاد وصولا إلى حل ليبي يحقق تطلعات الشعب ومصالحه.
وأضاف المجلس في بيان نشره عقب انتهاء اللقاء أن “الجانبين استعرضا تطورات الموقف الراهن في البلاد، واتفقا على استمرار التشاور حول الأزمة السياسية للوصول إلى حل ليبي ـ ليبي، يحقق تطلعات الشعب ومصالحه”، دون الإشارة إلى آلية استمرار المشاورات.
ويأتي اللقاء في ظل اتساع رقعة الخلاف بين المجلسين خاصة بعد نشر القوانين الانتخابية في الجريدة الرسمية من قبل مجلس النواب الليبي، رغم الاعتراضات التي أبداها المجلس الأعلى للدولة على القوانين الانتخابية واعتبرها تشريعات مخالفة للتعديل الدستوري وباطلة.
صالح يحاول تحصين القوانين الانتخابية
عضو المجلس الأعلى للدولة أمينة محجوب، قالت إن “لقاء القاهرة يأتي في إطار التباحث لحلحلة الخلافات القائمة بين المجلسين للوصول إلى حلول للانسداد السياسي، لذلك طلب عقيلة صالح من الوسيط المصري تنسيق لقاء مع رئيس المجلس الأعلى للدولة لأنه يحاول تحصين القوانين الانتخابية نظرًا لتعرضه لضغوطات من قبل القادة العسكريين في الشرق الليبي”.
وأضافت المحجوب في حديث للأناضول أن “صالح سعى من خلال نشر القوانين بالجريدة الرسمية لفرضها على المجلس الأعلى بسياسة الأمر الواقع، وأنه لا يمكن المساس بهذه القوانين لأنها تعتبر في محل التنفيذ بقوة القانون وهذا غير واقعي وغير منطقي لأن القانون يخوّلنا الطعن فيها أو الاعتراض عليها أمام الدائرة الدستورية لأنها تتنافى مع التعديل الدستوري”.
وتوقعت المحجوب “عقد لقاءات أخرى تجمع رئيسي مجلسي النواب والدولة في ليبيا أو خارجها، ولكن إزاء الظرف الذي يمر به مجلس النواب كونه قابعا تحت سيطرة معسكر الشرق لا يستطيع أن يقوم بأي شيء حتى وإن طُرحت أفكار لرأب الصدع وحل الانسداد السياسي”.
اللقاء استجابة لضغوطات
بدوره، رأي المحلل السياسي الليبي فرج دردور، أن اللقاء الذي جمع صالح وتكالة “لم يكن استجابة لرغبة ذاتية لوضع الحلول للموقف السياسي الليبي بقدر ما هو استجابة لضغوطات سواء خارجية أو محلية، والفجوة بينهم ما زالت كبيرة ولا يمكن أن يكون هناك حل على الأقل يلبي رغبة الطرفين”.
وأضاف دردور في حديثه للأناضول أن “أساس الخلاف في ليبيا يتجاوز صالح وتكالة لأنه خلاف جوهري بين مشروعين، أحدهما عسكري دكتاتوري يريد أن يحكم ليبيا بقيادة حفتر والمجموعة المتمردة بالشرق الليبي، وبين مشروع من يتبنون أفكار التداول السلمي على السلطة والديمقراطية والانتخابات النزيهة والمواطنة”.
وزاد: “وبالتالي أعتقد أن هذا هو مكمن الخلاف؛ والمشروعان لا يسيطر عليهم لا بالشرق عقيلة صالح ولا بالغرب تكالة”، في إشارة إلى أن عقيلة وتكالة ليست لهما سيطرة فعليا لا على الشرق ولا الغرب.
وأوضح دردور: “هذا اللقاء ليس له أهمية، وهو يحاول أن يبين بأن هناك محاولات لرأب الصدع والاتفاق، لكن هذه اللقاءات تم إجراؤها لمدة سنوات تقريبا وتتكرر في أوقات مختلفة وحتى وإن نتج عنها أي مخرجات لا تجد طريقها للتطبيق”.
وتابع: “لذلك للأسف الشديد تعتبر هذه المحاولات هي تكرار مستمر بنفس المنهج والأدوات، وانتظار نتائج مختلفة لبلوغ الأهداف”.
وأشار دردور أن “الخلاف الحاصل بين الطرفين يكمن في القوانين الانتخابية التي تعتبر أحد الأدوات التي يمكن تحقيق منها هدف الانتخابات، وهذه القوانين في نهاية المطاف تعبر عن وجهات نظر مختلفة فكل فريق يريد أن تخدم أو تلبي رغبته”.
واختتم: “وهناك أيضاً تخوف كبير حقيقة من كل الأطراف بأن الانتخابات يمكن ألا تكون نزيهة. لهذا السبب هناك تفاصيل يجب التركيز عليها ولن تكون هذه القوانين نافذة إلا إذا وسعنا دائرة الحوار والنقاش في ليبيا بين المشاريع المختلفة ووجهات النظر المختلفة حتى نصل إلى حوصلة يتفق عليها الجميع وتضمن للجميع بأن تكون هذه علي الأقل انتخابات نزيهة”.
أصل الخلاف
والشهر الماضي، أصدر مجلس النواب ما قال إنها قوانين الانتخابات التي أقرتها لجنة “6+6” ليجري بموجبها انتخاب رئيس الدولة، ومجلس الأمة.
لكن مجلس النواب لم يبين ما إذا كانت تلك القوانين المنجزة من لجنة “6+6” هي ذاتها النسخة الأولى الموقعة بمدينة بوزنيقة المغربية أو أخرى أدخل تعديلات عليها.
وعليه أعلن المجلس الأعلى للدولة “التمسك” بمخرجات لجنة “6+6″، ما قد يشير إلى إمكانية إدخال مجلس النواب تغييرات عليها.
وقال تكالة آنذاك في رسالة وجهها إلى المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، إن التشريعات الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب “مخالفة للتعديل الدستوري” و”باطلة”.
ولجنة “6+6” المشكلة من مجلسي النواب والدولة كانت أصدرت في 6 يونيو الماضي، عقب مباحثات في مدينة بوزنيقة، القوانين التي ستجرى عبرها الانتخابات، إلا أن بنودا فيها لاقت معارضة من بعض الأطراف.
وتتمثل تلك النقاط الخلافية في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية حيث يصر مجلس الدولة وبعض الأحزاب السياسية على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة البلاد، في حين يصر مجلس النواب على عكس ذلك.
وتأتي تحركات مجلسي النواب والدولة، ضمن جهود محلية وأخرى أممية لإيصال ليبيا إلى انتخابات تحل أزمة صراع بين حكومتين، إحداهما عينها مجلس النواب مطلع 2022، والأخرى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.