الأناضول-
وجهت الولايات المتحدة الأمريكية وكل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، تحذيرا لمجلسي النواب و”الدولة” الليبيين، بإمكانية إيجاد “آليات بديلة” إن لم يتمكنا من التوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات، وفق ما دعا إليه المبعوث الأممي عبد الله باتيلي مجلس الأمن قبل أيام.
فبعد عام من تأجيل الانتخابات الرئاسية الليبية، التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021، لم يتم تحقيق أي تقدم جدير بالذكر لإجراء الانتخابات، بالرغم من أن كل الأطراف تطالب في العلن بضرورة إجرائها للخروج من الأزمة.
ـ بيانات متفرقة وصيغة مشتركة
وتشكل مواقف الدول الأربع التي لم تنضم إليها فرنسا هذه المرة، دعما معنويا للمبعوث الأممي باتيلي، الذي دعا مجلس الأمن الدولي إلى “استخدام آليات بديلة للتخفيف من المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية المؤقتة، التي عفا عليها الزمن، ومفتوحة بلا سقف زمني”.
وربط ذلك بشرط “إذا لم يتمكن المجلسان (النواب والدولة) من التوصل إلى اتفاق سريع”.
السنغالي باتيلي، في إحاطته أمام مجلس الأمن في 16 ديسمبر الجاري، حمل بالاسم رئيسي مجلسي النواب عقيلة صالح، والأعلى للدولة خالد المشري، مسؤولية جعل البلاد رهينة لخلافاتهما.
وقال: “لم يعد الخلاف المستمر بين شخصين، رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة، حول عدد محدود للغاية من الأحكام في القاعدة الدستورية، مبررا كافيا لإبقاء البلاد بكاملها رهينة”.
وجاء الموقف الأمريكي متماهيا مع دعوة باتيلي، إلى “استخدام آليات بديلة”، وشددت واشنطن في بيان صدر بمناسبة الذكرى الـ71 لاستقلال ليبيا، على أنه “إذا لم تتمكن المؤسستان (مجلسا النواب والدولة) من التوصل إلى اتفاق سريع بشأن خريطة طريق انتخابية نزيهة، فيمكن بل ينبغي استخدام آليات بديلة لاعتماد قاعدة دستورية للانتخابات”.
ورددت بريطانيا على لسان المتحدث باسم خارجيتها نفس المصطلحات التي استخدمها باتيلي في مجلس الأمن “استخدام آليات بديلة للتخفيف من المعاناة التي تسببها الترتيبات السياسية المؤقتة والتي عفا عليها الزمن”.
واستخدمت إيطاليا وألمانيا الجملة نفسها، ما يؤكد أن هناك اتفاقا بين الدول الأربع مع باتيلي، لممارسة أكبر ضغط على عقيلة والمشري للتوصل إلى اتفاق سريع بشأن القاعدة الدستورية ووضع خريطة طريق لإجراء انتخابات “رئاسية وبرلمانية متزامنة”.
وعادة ما كانت الدول الأربع إلى جانب فرنسا تصدر بيانات مشتركة عبر سفاراتها لدى ليبيا، لكنها هذه المرة فضلت أن تكون بياناتها منفصلة مع استخدام نفس الصيغة بشأن “الآليات البديلة”، ما يبين أن مواقفها منسقة مسبقا، لكنها لا تحظى بدعم فرنسا.
ـ الأطراف الليبية تتموقع
يشكل مرور عام على تأجيل موعد الانتخابات نكسة جديدة للشعب الليبي والمجتمع الدولي، رغم وعود أطراف عدة بإجرائها، لكن حال عدم التوصل إلى توافق دون تنفيذها.
الإنجاز الوحيد الأساسي الذي تحقق هو حفاظ البلاد على سلام هش مع استمرار وقف إطلاق النار، رغم سقوط عشرات القتلى في مواجهات مسلحة محدودة في طرابلس والزاوية بالغرب الليبي، ووقوع عدة اغتيالات واختطافات في المنطقة الشرقية.
لكن عاد قائد قوات الشرق الليبي خليفة حفتر، إلى التلويح بالعودة للحرب، وقال إنه يمنح “فرصة أخيرة ترسم من خلالها خريطة طريق وتجرى الانتخابات”.
ووصف الأجسام السياسية الحالية (النواب والدولة والرئاسي) بأنها “ميتة سريريا”.
بينما جدد رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، تأكيده “ضرورة التعجيل بـالانتخابات”، مبرئا حكومته من أي اتهامات بعرقلة إنجازها.
في حين كاد إصدار مجلس النواب لقانون إنشاء محكمة دستورية ببنغازي (شرق) أن ينسف حواراته مع المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، قبل أن يعلن تعليقه في بيان مشترك بين عقيلة والمشري، واستئناف الحوار مجددا.
لكن ما يجري من مفاوضات أشبه بحلقة مفرغة من اللقاءات، تركزت على تفاهمات على اختيار حكومة جديدة بدلا من حكومتي الدبيبة وفتحي باشاغا، واستكمال تقاسم المناصب السيادية ولو بشكل تدريجي.
وتكثيف الضغط من الأطراف الدولية على عقيلة والمشري، لإنجاز قاعدة دستورية وخريطة طريق للانتخابات، من المستبعد أن يحقق نتائج فعلية، خاصة وأن القرار ليس بأيديهما وحدهما.
فحفتر يلوح بالحرب للضغط على رئيس مجلس النواب وحتى رئيس مجلس الدولة، من أجل عدم استبعاده من الانتخابات، خاصة في ظل رفضه التنازل عن جنسيته الأمريكية وعن “منصبه” العسكري.
والدبيبة، هو الآخر، متمسك بأن تشرف حكومته على تأمين الانتخابات حتى ولو ترشح لرئاسة البلاد، ويضغط من أجل عدم اختيار رئيسي المجلسين لحكومة ثالثة جديدة.
بينما يراقب المجلس الرئاسي الوضع عن كثب، وقال زياد الدغيم مستشار المجلس إن الأخير يرفض القوانين “المفصلة وفق الأشخاص”.
فتعارض مصالح القوى الفاعلة في ليبيا يجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق سريع كما يأمل الشعب الليبي والمجتمع الدولي.
ـ بديلان رئيسيان
من المستبعد أن يتم الاتفاق على القاعدة الدستورية بين مجلسي النواب والدولة لنفس الأسباب التي أجهضت عدة مفاوضات سابقة ولسبب رئيسي يتمثل في ضغوط حفتر على رئيس مجلس النواب بعدم الموافقة على أي شرط يمنع مزدوجي الجنسية والعسكريين من الترشح للرئاسة.
لذلك من المرجح أن يلجأ المبعوث الأممي، بدعم من الدول الغربية، إلى وضع آلية بديلة عن مجلسي النواب والدولة، لوضع قاعدة دستورية واعتماد قوانين للانتخابات.
ولم يعلن باتيلي شكل هذه الآلية، لكن أمامه عدة خيارات بينها تكرار نفس تجربة المبعوثة الأممية السابقة بالنيابة الأمريكية ستيفاني وليامز، عندما شكلت ملتقى الحوار الوطني من 73 عضوا، بينهم 26 عضوا من مجلسي النواب والدولة.
ورغم نجاح ملتقى الحوار في توحيد السلطة التنفيذية والتشريعية، فإنه أخفق في الاتفاق على قاعدة دستورية، لنفس السبب وهو شروط الترشح للرئاسة المفصلة على مقاس شخص بعينه.
ويمكن لباتيلي استبعاد كامل أعضاء مجلسي النواب والدولة من الهيئة المرتقبة لتحل محل السلطة التشريعية بغرفتيها، لكن ذلك سيلقى معارضة من البرلمان الذي لن يتنازل عن سلطته بسهولة.
الاحتمال الآخر، أن يتولى المجلس الرئاسي حل مجلسي النواب والدولة بأمر رئاسي وبدعم دولي، ويتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية بشكل يتيح له وضع قاعدة دستورية وإصدارها بأمر رئاسي، وكذلك الأمر بالنسبة لقوانين الانتخابات والإشراف على تنفيذ وتأمين الاقتراع.
ووفق هذا السيناريو، سيجد المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، صعوبات في إجراء الانتخابات لعدم امتلاكه قوة مسيطرة على الأرض، فحفتر يسيطر على الكتائب في الشرق والجنوب، والدبيبة يتحكم في أغلب الكتائب بالغرب، وإذا تم استبعادهما من المشهد فلن يسمحا بإجراء الانتخابات.
فضلا عن المعارضة والرفض المتوقع من مجلسي النواب والدولة لمثل هذا القرار، والذي سبق وأن طرح بشدة عندما تم حرق مقر مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق) في احتجاجات منددة بعدم إجراء الانتخابات، وإعلان المجلس الرئاسي انعقاده بشكل دائم.
لكن المظاهرات الشعبية في المدن الليبية حينها لم تكن بالكثافة التي تتيح الذهاب إلى حل البرلمان على طريقة قيس سعيد في تونس، خاصة وأنه لم يكن يحظى بدعم دولي قوي، وحفتر عارض هذه الخطوة، وعقيلة هدد المنفي، ضمنيا، بالسعي لتغيير أعضاء المجلس الرئاسي.
فالخيارات المتاحة أمام المبعوث الأممي لإيجاد “آليات بديلة” ليست مثالية، لكن انتظار إجراء الانتخابات إلى ما لا نهاية أصبح عبثا.