
العربي الجديد-
عاد الجدل حول قضية توطين المهاجرين في ليبيا إلى الواجهة بعد أن كشفت وسائل إعلام أميركية أخيراً أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تخطط لإرسال مهاجرين مرحلين إلى ليبيا على متن طائرة عسكرية، مع احتمال أن تغادر الرحلة الأولى في غضون أيام، ما أثار موجة استنكار واسعة.
ونفت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وجود تفاهمات على ترحيل مهاجرين إلى ليبيا، وقالت في بيان إن “جهات موازية لا تخضع للشرعية قد تكون طرفاً في تفاهمات لا تمثل الدولة الليبية ولا تلزمها قانونياً أو سياسياً. نؤكد رفض استخدام أراضي ليبيا لترحيل المهاجرين، والتمسك بحقنا في حماية السيادة الوطنية”.
بدورها، نفت حكومة مجلس النواب في بنغازي وجود اتفاقات أو محاولات لتوطين المهاجرين، وأكدت في بيان رفضها القاطع لأي اتفاقات أو تفاهمات بشأن توطين مهاجرين من أي جنسية.
لكن نفي الحكومتين لم يوقف موجة الغضب التي اجتاحت الشارع الليبي، إذ توالت بيانات الأحزاب والمنظمات الحقوقية التي تضمنت إشارات الى عدم ثقتهم برفض الحكومتين هذه الصفقات في مقابل الحصول على مكاسب سياسية. وعكست تدوينات نشطاء ليبيين تزايد المخاوف من قضية المرحلين من الولايات المتحدة باعتبار أن بعضهم ليسوا مهاجرين بل أصحاب سجلات جنائية، وهو ما كشفته تسريبات لشبكة “سي إن إن”.
وليست هذه المرة الأولى التي تثار فيها مخاوف توطين المهاجرين السريين في ليبيا، ففي منتصف مارس الماضي، أثار بيان أصدرته وزارة الحكم المحلي في حكومة الوحدة الوطنية لغطاً كبيراً بعدما اجتمع مسؤولوها مع مسؤولين في بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، إذ تضمن البيان عبارات أثارت شكوكاً حول علاقتها بمشاريع توطين.
ورغم أن الوزارة نفت صلة الاجتماع بموضوع التوطين، وأوضحت أنه ناقش “دعم البلديات في إدارة النزوح الداخلي لليبيين”، لكن منصات التواصل الاجتماعي تداولت مقاطع فيديو أظهرت تجوّل مئات من المهاجرين بحرية في أحياء سكنية في طرابلس وبنغازي، ما أثار تساؤلات بشأن وجودهم داخل أحياء المدن الكبرى في البلاد، وموقف السلطات منهم، وإمكانية أن يكونوا المستهدفين باجتماع “دعم البلديات”.
ويؤكد الناشط الحقوقي رمزي المقرحي، لـ”العربي الجديد”، أن “التسريبات الأخيرة تختلف عن سابقاتها في جوانب عدة، فهي لا تتعلق بمهاجرين دخلوا ليبيا عبر الحدود بشكل غير قانوني، بل بأشخاص ستنقلهم الولايات المتحدة بموجب اتفاق رسمي حتى لو لم يُعلن. المرحّلون المحتملون هم من أصحاب السجلات الجنائية في الولايات المتحدة، بصرف النظر عن نوع الجرائم. ومن يدخلون سراً إلى الولايات المتحدة يعدون مخالفين في التشريعات الأميركية، وتصدر أحكام قضائية بحقهم”.
ويلفت المقرحي إلى أن “المهاجرين المرحلين إلى ليبيا سيتعرضون لإجرام مضاعف، فواشنطن تصنّف ليبيا بلداً غير آمن، وتتجه في الوقت نفسه لترحيل المهاجرين إليها، لذا سيكون الترحيل سرياً لأنه يخالف الموقف الرسمي الأميركي من الأوضاع في ليبيا. يجب أن نسأل إلى أين سيُنقل هؤلاء المرحلون؟ هل إلى السجون التي تعاني أصلاً من انهيار في التدابير الأمنية، ما قد يمهد لهروبهم وسط بيئة أمنية هشة، ويضيف أعباءً جديدة إلى واقع مضطرب أصلاً”.
ويذكّر المقرحي بأن “ليبيا ليست في منأى عن محاولات التوطين بشكل أو بآخر، فلو نظرنا إلى عمليات إعادة قوات خفر السواحل الأوروبية المهاجرين إلى ليبيا بعد اعتراضهم في عرض البحر، وهو ما يحصل منذ سنوات، نجد أنه توطين غير مباشر. والجديد الآن هو محاولة نقل مهاجرين من دول بعيدة مثل الولايات المتحدة”.
ويطالب بضرورة تشديد الضغط على السلطات الليبية لرفض ترحيل أي مهاجر إلى البلاد، والتذكير بالمخاطر التي لطالما رددها الليبيون، مثل التداعيات الخطرة على التركيبة الديمغرافية، وتفشي الأمراض والجريمة.
وسبق أن نظمت الحكومتان في الشرق والغرب مؤتمرات دولية، مثل المؤتمر الأفريقي الأوروبي حول الهجرة في بنغازي في مايو 2024، ومؤتمر الهجرة عبر المتوسط في طرابلس في يوليو 2024، وشددتا على أن ليبيا بلد عبور وليست بلداً مصدراً للمهاجرين السريين المتدفقين إلى أراضيها.
وفي فبراير الماضي، كشف وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي عن وجود أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر سري في ليبيا، وأعلن رفض بلاده القاطع مشاريع التوطين، ودعا دول الاتحاد الأوروبي الى الاضطلاع بمسؤولياتها في حل مشكلة المهاجرين من مصدرها في الدول الأفريقية.