ليبيا ما قبل النفط.. استغلال للمقدرات وتصدير للمنتجات

صدّرت ليبيا خلال العصر الحديث، (العديد من المنتوجـات المحليـة) التي كانت تشكل قوتاً لمائات الأسر الأهلية. تقول عدة مصادر حديثة ومعاصرة: فرانشيسكو كورّو Francisco Curro مثلاً، وأنتوني كاكيا Anthony J. Cachia بأن بلادنا كانت تنتج وتصدر الزيت والزيتون والإسفنج البحري وورق الحلفة، والملح والتمر والبقر والغنم والصوف والحصائر، والتوازير والسلال والأطباق، وبقية منتجات السعف، والجلود والتبغ وريش النعام والفخار وخلافه.

كان ذلك خلال العصر الحديث، ومطالع القرن العشرين (ومع أواسط القرن الماضي)، ظهرت خلال الفترة الملكية مصانع وشركات للأثاث/شركة أوليفيتي، ووكالات للسيارات/ دار البيجو ودار الفيات وغيرها، ومؤسسة أبورقيبة وعارف للسيارات والجرارات ومعدات الورش، ومصنع للإسمنت/مصنع الخمس، والمقاولات/الهادي العايب، والمواد الثقيلة/شركة انقا، ومصنع النسيج/شركة تارنو للترهوني، ومصنع القطن والوسائد، لصاحبيه العوزي وسنوقة، ومعمل أقمشة برقة للنسيج، ومصنع تركيب الزجاج/للطبولي وإخوته، وشركة شق الطرقات ورفع الجسور/إخوان طاطاناكي، ومصنع الوقيد/الكبريت، للمجراب، ومصنع الصابون/صابون الشمس لصاحبه قدح، وشركات الطلاء/طلاء السمكة وغيرها، ومصنع المعلبات/بن ساسي/معلبات المعمورة فيما بعد، ومصانع الزيت والزيتون/مصنع المدني مثلا، ومعمل معجون الطماطم/معمل المنصورة، ومصانع للمعكرونة/مكرونة قرجي، ومكرونة كانون، ومكرونة دي ستيفانو، ومصنع المثلجات/القويري، وجيلاطي آلاسكا، ومصانع الحلويات/حلويات قدح/وحلويات الزهراء، ومصنع الغزالة للسمن ومشتقاته لصاحبه بن كانون، ومصنع العطور/عطور غات، وغيرها.
فضلا عن (الإنتاج البحري) ونشاط التنارات على طول الساحل الليبي، الإنتاج المعلب للتونة والسردين والذي كان علي أعلي مستوى من الجودة والطعم، والثروة البحرية تعد في عشرات الدول من مصادر الدخل القومية.

(ومع تزايد إنتاج النفــط) ومن ثم قيام (النظـام الشيـوعي الاشتـراكي) بأواخر السبعينات، تم إلغاء القطاعات الخاصة، وجرى الاستيلاء باسم الدولة على مصانع وحوانيت ومزارع المواطنين، وتم تحويل تلك العقارات إلى ممتلكات عامة يعمل المواطنون بداخلها تحت شعار: “شركاء لا أجراء”.
وبالنتيجة (حدث تراجع النشاط الأهلي)، وبدأ المواطنون مضطرون للوقوف طوابير طويلة في البنوك اعتمادا على قوت/ معاش الدولة.

وكان ولا يزال النظام الاشتراكي في كوريا الشمالية وفنزويلا وفيتنام وكوبا ولاوس مثلا، نظاما قمعيا سياسيا، وفاشلا اقتصاديا بامتياز، على اعتبار بسيط، وهو أن الوظيفة في القطاع العام، غالبا ما يسودها التسيب والإهمال والغياب واللا مبالاة. يمكن لأي موظف/عامل الخ أن يخرج من عمله قبل الدوام من دون أن يحاسبه أحد. والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، وعلى العكس منه، تجد أن الموظفين العاملين بشركات ومصانع القطاع الخاص؛ أكثر جدية وانضباطية، لأنهم يشتغلون تحت إمرة مستثمر/ تاجر/ أو مالك خاص، وليس مديرا عاما لجهة عامة.

تحت هذا الظرف، حدث التسيب والإهمال، (حتى في المجــال الزراعـي)، بعد تأميم الدولة لعشرات الهكتارات الزراعية، وأصبح الأحفاد اليوم يتناولون خضارهم من تونس أو مصر، عكس واقع أجدادهم ممن كانوا يزرعون بأيديهم.
ومع ذلك (توجد اليــوم بعض المناطـق الزراعيـة) المعتبرة بحاجة للعناية الرسمية. فطماطم جالو والجفرة على سبيل المثال لو تتم العناية به، بوسعه تغطية الاحتياجات الليبية كاملة، بدل رميه هكذا على قارعة الطرقات عندما يهجم/ يكثر. كذلك مانجا الكفرة. وعنب الزويتينة وكرموس وتفاح الجبل الغربي، وسلالة الغنم البرقاوي الأحمر، الدلاع والقلعاوي المصراتي والوليدي والمسلاتي والسبهاوي. وحمضيات الجفارة، وطماطم وبطاطا وفلفل كامل محيط الجفارة بالعلوص وقصر اخيار، مرورا بمزارع ورشفانة، وصولا إلى مزارع طوق طرابلس. وغيرها من المناطق المنتجة التي يقوم بعض فلاحيها ببيع منتوجاتهم إلى تونس وغيرها، من كثرة الفائض وبحثا عن أرباح أكبر، مما يسبب في ارتفاع أسعار هذه الخضار أو تلك محليا.
على هذا المستوى؛ وشيئا فشيئا صرنا نتراجع فنيا على المستوى اليدوي، (وبتنا نستورد كل شيء من خارج الحدود)..

(حتى الملــــح!) على الرغم من أننا نملك أطول ساحل بحري على كامل حوض المتوسط!… إلا أن الملح الذي نضعه على مائدة طعامنا، يأتي إما من تونس أو إيطاليا أو مصر، أو من ملح هيمالايا/ ملح الجبل الصحي، على الرغم من الأسباخ وشواطئها المتناثرة في ساحلنا. إلا أن الملح كان قد اختفى نشاطه منذ سنوات وحل محله الملح الخارجي، وذلك رغما عن كل الجودة والسمعة ذائعة الصيت للملح الطرابلسي البرقاوي في العصر الحديث، عندما كانت الدول والممالك الأوربية تتسابق لاحتكار استخراجه من أبوكماش، وزوارة، والملاحة بطرابلس، وتاورغاء وقصر حمد بمصراتة، وكركورة وسبخة الكيش والسلماني ببنغازي.
الصور المطروحة ليست سوى عينات من أصل أكثر من 70 صورة لاقتصاد القطاع الليبي الخاص.



