
الناس-
تسلط هذه الورقة الأضواء على الاهتمام الصيني بليبيا، بوصفها شريكا محتملا في إطار مشروع الحزام والطريق، المشروع الصيني للقرن الحالي. وتكشف كيف أن الصين تتخذ من مدينة طبرق (ميناءها ومطارها) نقطة انطلاق استراتيجي لتنفيذ مشروعها للربط بين القارات الثلاث.
ويعتقد معدو الورقة لصالح المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية أن هذا التحرك الصيني يدعو الغرب إلى النظر إلى مسألة توحيد ليبيا تحت سلطة مركزية متحالفة معه على أنها قضية أمن عابر للأطلسي، يتعلق باستقرار اوروبا وموقع الناتو الجنوبي. ويرون أن انسحابهم وتركهم للفراغ هو ما تسبب في فتح الباب أمام فواعل بديلة أبرزها روسيا وتركيا. وأخيرا الصين.
وفي حال موافقة حفتر –كما يرى الباحثون- فقد تتحول ليبيا إلى نقطة ارتكاز غربية لشبكة لوجستية وطاقوية واسعة تقودها الصين، تمتد من الحيط الهندي مرورا بالبحر الأحمر وصولا إلى البحر المتوسط. وستصبح طبرق ورقة ضغط جديدة لبكين على أوروبا في وقت تسعى فيه دول الاتحاد الاوروبي للتخلص من اعتمادها على الغاز الروسي.
وترى الورقة أن الأخطر في هذا التوجه هو الطبيعة المزدوجة للمطار والميناء، التي قد تفتح الباب أمام تمدد القدرات البحرية والاستخباراتية الصينية إلى قلب المتوسط. الأمر الذي يقلق حلف شمال الأطلسي.
وبالخلاصة، إذا نجحت الاستراتيجية الصينية في ليبيا فستعيد رسم خرائط سلاسل التوريد وتدفقات التجارة في منطقة أوراسيا، كما أنها سترمز إلى تحول واضح في ميزان القوة الناعمة والنفوذ الاستراتيجي في شمال افريقيا، بما ينعكس مباشرة على أمن الطاقة الأوروبي واستقلاليته الجيوسياسية.
طبرق في بؤرة الاهتمام الاستراتيجي الصيني
المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية مركز بحثي مستقل تأسس في أغسطس 2021، ويعمل في إطار البحث والدراسات والأبحاث والتحليلات الأمنية والعسكرية ذات العلاقة بالدولة الليبية وفقا للرؤية الشاملة لمفهوم الأمن، ويضع في أولوياتنا العمل على دعم البحاث وصناع القرار من خلال نقل صورة واضحة عن مجريات الأحداث الليبية وما يرتبط بها من تفاعلات دولية وإقليمية- هكذا يقدم نفسه على رأس كل ورقة بحثية ينشرها، وقد سبق له نشر عديد الورقات، وسبق لصحيفة الناس تقديم ملخصات وخلاصات عنها.
في هذه الورقة التي نشرها المركز في 11 يوليو، يقرر المركز أن مدينة طبرق الليبية تمثل محورا أساسيا في الخطط الصينية التوسعية في منطقة شمال أفريقيا، كمركز لعبور الطاقة والتجارة، كونها تتمتع بميناء طبيعي عميق المياه لاستيعاب السفن العملاقة، ويؤهلها لتكون بوابة بحرية استراتيجية لأوروبا.
وتوضح الورقة أن الخطط الصينية تتمحور حول استثمار ضخم متعدد المراحل، يجعل من طبرق مركزا لوجستيا متكاملا، يأتي في قلبه مشروع مصفاة نفط بقيمة 10 مليار دولار، بقدرة معالجة تصل إلى 500 ألف برميل يوميا تصدر منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية. مما يوفر مصدر طاقة آمن للقارة.
كما أنه إذا حصلت الصين على الضوء الأخضر فهي مستعدة لتوسيع استثماراتها إلى 50 مليار دولار، لتشمل مشاريع متعددة في ليبيا.
تموضع استراتيجي
البداية –وفق الورقة- تتضمن توسعة وتحديث الميناء، وتطوير أرصفة للحاويات وإنشاء مرافق للتزود بالوقود وإنشاء بنية تحتية جمركية متكاملة، بقدرات فنية ولوجستية تتفوق على نظيراتها في المنطقة.
وتقترح الصين تطوير مطار العدم المجاور للميناء، لتحويله إلى محور لوجستي جوي متكامل، يخدم كمنطقة شحن مدني ومحطة تزود بالوقود، مع احتمال استخدامه لأغراض مزدوجة عسكرية ومدنية. ولتخزين الوقود المكرر من مصفاة طبرق وتوزيعه جويا.
وبناء عليه ستتمكن بكين من تثبيت أقدامها على الجناح الجنوبي لحلف الناتو، ما يعد اختراقا استراتيجيا نادرا في ميزان القوى الإقليمي.
سكة حديد من بنغازي إلى مرسى مطروح
وفي مبحث آخر يقرر المركز أن الطموحات الصينية ستمتد لاحقا لتشمل عمق الإقليم وشبكة الترابط القاري، لربط مناطق الشرق الليبي بممر بري عابر من موانئها إلى ممرات الشحن العالمية المطلة على آسيا. “لذلك وقعت شركة السكك الحديدية الصينية الدولية مذكرة تفاهم مع المؤسسة الليبية للسكك الحديدية لدراسة إمكانية بناء خط حديدي يربط بين بنغازي ومرسى مطروح عبر معبر مساعد الحدودي، بتكلفة تصل إلى 20 مليار دولار”.
ولا تقتصر أهمية هذه الخطوط على كونها مجرد مشاريع نقل، بل “تمثل بنية تحتية شريانية جديدة لربط شمال أفريقيا ببقية القارات، فهي مصممة لتسهيل حركة السلع والأفراد بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، مع التطلع لفتح ممرات مستقبلية نحو الجنوب تشمل تشاد والسودان”.
بنك الطاقة يؤكد النهج المؤسسي للصين
ولتهيئة الأرضية المؤسسية لاحتضان استثمارات الطاقة والبنية التحتية، يقول الباحثون إن البرلمان الليبي صادق على تاسيس “المصرف الليبي للطاقة والتعدين”. بهدف استقطاب رؤوس أموال ضخمة من الصين. وينتظر فقط الحصول على ترخيص “كود سويفت” من مصرف ليبيا المركزي لبدء تنفيذ المعاملات الدولية.
واستخلصوا من خلال هذا الاتجاه أن “الصين تفضل النهج المؤسسي، ولا تكتفي بمد الطرق وبناء المصانع”. ومن المقرر –في تصورهم- أن يشكل هذا المصرف “القناة المالية الأساسية لمشاريع تكرير النفط في طبرق، وتوسعة الموانئ وتنفيذ العقود الخدمية المرتبطة بها، ما يجعله أداة حيوية لترسيخ الدور الصيني في شرق البلاد”.
وفي مؤشر على الجاهزية شرعت شركة “كروي بتروليوم الصينية” في إجراء دراسات أولية لمصفاة طبرق. كما اجتمعت وفود من شرق ليبيا بزيارة الصين شملت شركة هواوي والصين لهندسة الطاقة.
وتتولى هواوي بالفعل قيادة مشروع نشر شبكة اتصالات مخصصة في شرق ليبيا عبر شراكة مع السلطات المحلية وأن النظام حاليا في مرحلة الاختبار- يضيف الباحثون.
ويقدر معدو التقرير أن الرؤية الصينية تتجاوز الحدود الوطنية الليبية إلى عمق القارة الإفريقية، بفتح ممرات تجارية برية انطلاقا من طبرق عبر طريق سريعة باتجاه تشاد والسودان. لإيصال السلع المصنعة في الصين. والحصول على المواد الخام من العمق الإفريقي. بما فيها النفط والمعادن والمنتجات الزراعية.
صعود الصين كلاعب مركزي من خلال طبرق
وإذا نجحت بكين في توجهها فسوف تحوز على نفوذ كبير في سلاسل الإمداد التي تغذي الأسواق الأوروبية. كذلك تكرير وتخزين ونقل المنتجات الطاقوية من شمال أفريقيا إلى أوروبا، ما يمنحها القدرة على التحكم في الأسعار والكميات وأولويات التوزيع. ويمتد التأثير ليشمل السلع المصنعة والتقنيات الحيوية. وقد يوظف لأغراض استخباراتية وربما عسكرية.
ويقرر الباحثون أن ليبيا في أعين المخططين الصينيين “تجسد بوابة استراتيجية يمكن من خلالها ربط إفريقيا بأوروبا وآسيا ضمن بنية تجارية عالمية تقودها بكين، وتكرس صعودها كلاعب مركزي في النظام الدولي المقبل”.