عربي 21-
طرح تقرير منظمة الشفافية الدولية حول الفساد في ليبيا، وتصنيفها ضمن قائمة الدول العشر الأكثر فسادًا في العالم، بعض الأسئلة حول أسباب استمرار هذا الفساد، رغم قيام ثورة وتغيير الحكومات، وعلى من تقع مسؤولية مواجهة الفساد في ليبيا إذا كانت الحكومات نفسها متورطة.
وأكدت منظمة الشفافية الدولية أن “ليبيا تقع ضمن الدول الأكثر فسادا، طبقا للتقرير الأخير، وأنها حصلت على 17 درجة على مقياس من صفر “فاسد للغاية” إلى 100 “نظيف للغاية”، لتحلّ في المركز 171 عالميًا من ضمن 180 دولة، وفق مؤشر مدركات الفساد لسنة 2022 الذي تُصدره المنظمة سنويا.
“أسباب الفساد”
وأرجعت المنظمة الدولية أسباب هذا الترتيب إلى “تداخل الفساد والنزاع والأمن بشكل عميق في ليبيا، ما تسبب في وضع أمني هشّ واستمرار الاضطرابات، مؤكدة أن “ليبيا أصبحت عاجزة الآن، ما يسمح لتفاقم الفساد وتمكنه”، كما أن الغياب المستمر للاستقرار في البلاد حرمها من إجراء الانتخابات، ولم يترك لها مسارا واضحا للمُضي قدما”، وفق التقرير.
في حين، أكد تقرير هيئة الرقابة الإدارية في يلبيا السنوي للعام 2022 وجود عدة قضايا فساد وسرقة للمال العام ارتكبت على أيدي مسؤولين في الحكومة والوزارات والمجالس البلدية والقطاع المصرفي والسفارات وشركات الاستثمار، مؤكدة تسـجيل عـدة مخالفات وتجاوزات مالية وإداريـة يرقى جزء منها إلى مصافي الجرائم الجنائية”.
وأكدت الهيئة أنها باشرت التحقيق ومباشرة الدعاوى الجنائية والتأديبية في عدد “237” قضية أمام المحاكم ومجالس التأديب المختصة، وذلك وفقا للاختصاصات المسندة إليها قانونا .
فمن وراء كل هذا الفساد؟ ولم تعجز الحكومات عن مواجهته فضلا عن التورط فيه؟
“شراء الذمم والولاءات”
من جهته، قال وزير التخطيط الليبي السابق، عيسى التويجر، إن “نظام الحكم العائلي الموروث يعتمد أساسا على شراء الولاءات والذمم مقابل التحالف والحماية والدعم، وهذا ينطبق على الحكومتين في الشرق والغرب، ولقد زاد الاستقطاب السياسي والانقسام من حدة الفساد وغياب الحوكمة”.
وأشار في تصريحات لـ”عربي21″ إلى أنه “في خضم هذه الفوضى ينتهز الفاسدون الفرصة لاستغلال مناصبهم والاستمرار في الفساد وتقنينه، لذا فالقضاء على الفساد يتطلب الحوكمة، ويقتضي وضع كل المؤسسات الحكومية وغيرها تحت الرقابة الدائمة، مع وجود جهاز عدلي نزيه يحاسب من يتورط، وهو أمر بعيد المنال”، وفق وصفه.
“غياب المساءلة والعقاب”
في حين أكد رئيس لجنة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب الليبي، زايد هدية، أن “مكافحة الفساد في ليبيا تحتاج لحكومة واحدة تخضع البلاد لسلطتها، وكذلك خضوع محافظ مصرف ليبيا المركزي للسلطة التشريعية، لأنه وفقا للقانون رقم 1 لسنة 2005 م وتعديلاته يجب أن تخضع كل هذه الجهات للمساءلة”.
وأوضح في تصريحه لـ”عربي21″ أنه “لا يمكن الحد من الفساد إلا بنفاذ القانون والمحاسبة والعقاب، لكن وجود جهات تتمتع بالاستقلالية الذاتية، ولا تؤمن بالقانون والتشريعات والتبعية، ولا يمكن القبول بما تدعي به من شفافية، أما بخصوص النائب العام فهو يحاول جاهدا محاسبة الكثير منهم، لكن نتيجة المعطيات على الأرض أن الكثير من القضايا مؤجلة، وهذا ليس تقصيرا من النائب العام لكن للأسف بسبب الظروف التي تمر بها ليبيا”.
“ابتزاز”
وأكد المسؤول الليبي لـ”عربي21″ أن “لجنة الأجهزة الرقابية المنوط بها ملف مكافحة الفساد لم تتمكن حتى الآن من الاطلاع على الكثير من الملفات الخاصة بالمشروعات الاستراتيجية في السابق إلا مؤخراً، وأن الأجهزة الرقابية بطرابلس لم تستجب للبرلمان أو لجانه المختصة، وعندما ترفض هذه الأجهزة إحالة التقارير للجنة المختصة فتعتبر هذه التقارير هدفها الابتزاز والشو الإعلامي فقط”، وفق تعبيره.
وتابع: “بسبب هذه التصرفات قمنا كلجنة الأجهزة الرقابية بالتنسيق مع مكتب النائب العام على مستوى عال جدا لمحاسبة هؤلاء المفسدين ومعاقبة المتورطين، وبدأنا في تنفيذ هذا الإجراء بشكل منظم وملتزم بالإجراءات القانونية”، كما صرح.
عضو اللجنة السياسية بمجلس الدولة الليبي، أحمد همومة، قال إن “الفساد في ليبيا سببه الإدارة التي تضبط وتحدد المهام وتقنن وتلتزم بالقوانين التي تحدد المهام وتضبط الكادر كل حسب دوره، وعلاج الفساد هو نجاح الدولة في تنظيم الإدارة وتحديد المهام والاختصاصات وأوجه الصرف وكيفيته ومن المسؤول عن هذا الصرف، في ليبيا لم نصل إلى هذا المستوى، لذا نجد الفساد المالي مستشريا بكثرة”.
وأضاف لـ”عربي21″: “عندما تكون في مرحلة اللادولة يكثر الفساد بشتى أنواعه، وربما يعود السبب الرئيس إلى عدم قدرة الأجهزة الرقابية والمحاسبية عن تأدية دورها بالشكل المطلوب نظرا لعدم وجود أجهزة قضائية قادرة على تأدية واجباتها في ظل الفوضى الأمنية، وعدم قدرة الدولة على توفير الحد الأدنى من الأمن بشتى أنواعه، وهذه كلها إما أن تحمي الفاسد فلا تجعل يد العدالة تطاله، وإما أن المجتمع يستمرئ الفساد ويصبح حقا طبيعيا لكل مسؤول وموظف”، حسب تعبيره.
“انحياز سياسي”
الخبير الاقتصادي الليبي، علي الصلح قال من جانبه إن “ليبيا ما زالت تعاني من ملف الفساد والمؤشرات الدولية والمحلية، والتقارير السنوية تشير إلى عدم استخدام أمثل لموارد الدولة، كما أن الانقسام ساهم بشكل كبير في انتشار ظاهرة الفساد”.
وأكد أنه “برغم محاولة توحيد المؤسسات والتقليل من مستويات النفقة العامة، فإن الحكومات فشلت في التحول نحو الإنفاق الأمثل، لذا مع استمرار وعدم استقرار الإدارة تبقى تحديات النيابة العامة حول الملف أكبر بكثير من مكافحة الفساد، والمسؤولية تقع على أمانة الأجهزة الرقابية وعدم انحيازها”، كما رأى.
وأضاف: “من الناحية الأخرى، فإن تدخل السلطات حال دون تنفيذ رؤية الدولة لمكافحة الفساد، وظل الأمر مقرونا بالانحياز السياسي دون شروط، حيث يمكن الإشارة هنا إلى أن الاختيار يقع دون معايير المهنة والخبرة والممارسة”.