الحرة-
يعتقد محلل الشأن الليبي، جيسون باك، أن أحد أهم أسباب الفوضى التي عمت ليبيا في أعقاب الإطاحة بنظام معمر القذافي، في عام 2011، “النظام العالمي الجديد” الذي نشأ في السنوات التي تلت الحملة العسكرية وغياب “الإجماع” بين الدول التي شاركت في تلك العملية الناجحة لتغيير النظام.
ويستبعد الكاتب في تحليله على موقع “فورين بوليسي” أن يشعر الليبيون بالابتهاج الذي شعروا به، في 2011، وذلك عندما يجرون الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل، والتي يفترض أن ينتج عنها أول حكومة غير مؤقتة بعد القذافي.
وما يدعو إلى الشك في إمكانية تشكيل هذه الحكومة، وفق التحليل، أن التطورات التي حدثت دوليا وفي داخل ليبيا على مدار العقد الماضي تنبئ “بتفوق القوى التي تروج للفوضى على حساب تلك التي تعزز النظام العام والتنسيق الدولي”، ويضيف أنه “حتى الداعمين للانتخابات لا يتوقعون تشكيل حكومة ليبية غير متنازع عليها وذات سيادة وشرعية دستورية”.
ولا يتوقع الأكاديمي الليبي المقيم في الولايات المتحدة، حافظ الغويل، في حديث مع موقع “الحرة، أن تؤدي الانتخابات إلى “حكومة قوية” تستطيع فرض سيادتها لأن مشاكل ليبيا “عميقة” والانتخابات في دول مثلها لا يمكن أن تؤدي إلى حل مشاكلها”.
ويشير إلى “غياب مؤسسات قوية في البلاد تستطيع حتى ضمان نتائج الانتخابات”.
ويقول الغويل إنه لو فاز القائد العسكري القوي، خليفة حفتر، في الانتخابات، فلن يتقبله سكان المنطقة الغربية الذين قصف مناطقهم وقتل وهجَّر آلاف الأشخاص.
ويضيف أنه عندما يتم إجراء انتخابات “في مناطق منقسمة، تكون النتيجة هي الحروب الأهلية” ولا يستبعد المحلل في هذا الإطار حدوث نزاعات تهدد الحكومة المقبلة مثلما حدث من قبل.
محطة في التحول الديمقراطي
ويرى المحلل العسكري والسياسي الليبي، عادل عبد الكافي، في تصريح لموقع “الحرة” أن الانتخابات “هي محطة ضمن محطات تمر بها ليبيا، منذ 2011، نحو الديمقراطية والاستقرار”.
ويقول: “ليبيا مازالت وليدة العهد بالديمقراطية وهناك بعض النخب التي تعلمت من التجارب المختلفة واستطاعت ممارسة الديمقراطية من خلال تكوين الأحزاب، التي كانت ممنوعة في السابق، وأصبحت تطرح أفكارا لمشاريع تنموية وثقافية واقتصادية، وترى أن تحقيق الاستقرار يأتي من خلال بناء مؤسسات دولة وهيئة هيكلية صحيحة”.
ويشير إلى أن هذه النخب تواجه، رغم ذلك، العراقيل في الداخل، لأن هناك شخصيات تعارض هذا التوجه.
المجتمع الدولي.. من الإجماع إلى الانقسام
ويقول تقرير “فورين بوليسي” إن المجتمع الدولي لم يتخذ إجراءات رادعة ضد الجهات التي دعمت الفوضى، “وافتقرت وساطة الأمم المتحدة إلى القدرة على معاقبة المفسدين، وعلى هذا النحو، تم اختطاف ليبيا من قبل لاعبين محليين”.
ويضيف أن العمل الجماعي، في 2011، أظهر إمكانية تحقيق مستقبل ليبي أفضل، لكن في السنوات التالية، ظهرت قوى الفوضى، وانقسمت البلاد إلى سلطتين متنافستين، وانتشرت الأسلحة والمرتزقة في البلاد.
وبدلا من تكاتف تلك الدول، التي كانت ستستفيد من النمو الاقتصادي الليبي الهائل، “تنازعت حول من سيستفيد أكثر من الغنائم”.
“وأدى فراغ السلطة الليبية إلى تصعيد الخلافات بين القوى المتنافسة في المنطقة، وهي قطر، والإمارات، وفرنسا، وروسيا وإيطاليا، وتركيا ومصر”، وغيرها من الدول، ما أدى إلى مزيد من الفوضى في ليبيا والعالم” وفق التحليل.
ومن المفارقات أن كل هذه الجهات المتناحرة (والشعب الليبي) كانت ستستفيد من حدوث إجماع في ليبيا، “لكن طبيعة النظام العالمي الحالي جعلت بناء التحالفات الضرورية والتسويات أمرا مستبعدا”، وأصبح أعضاء “الناتو” على استعداد لإضعاف حلفائهم، وهو ما أدى هذا إلى مزيد من تآكل الثقة وفشل التنسيق.
ويرى الغويل أن الدول “شاركت بشكل مباشر في إسقاط نظام القذافي، ثم خرجت بسرعة من المشهد ما أدى إلى حدوث الفوضى”.
ويضيف أنه “كان بإمكان فعل شيء في تك الفترة، إذا لم تخرج هذه الدول من المشهد الليبي، ولم يتركوا الليبيين في صراع مع بعضهم البعض”.
ويقول عبد الكافي إن دعم ليبيا في 2011 كان بموجب تفويض مجلس الأمن لحماية المدنيين، وكان هناك تفاهم دولي في تلك الفترة على رغبة شعوب المنطقة في التغيير.
لكنه لا يعتقد أن الإجماع الدولي قد “فشل” مشيرا فقط إلى “عراقيل” و”تعثر”، وقال إن “أطراف في المنظومة الليبية السابقة عرقلت الاستقرار وأججت الوضع، بالإضافة إلى مطامع الدول التي أرسلت عناصرها إلى داخل ليبيا لنشر الفوضى وتحقيق مصالحها الاقتصادية مع شيطنة الأطراف الأخرى”.
ويرى الغويل أنه كان بإمكان المجتمع الدولي قيادة الليبيين إلى التوافق وبناء دولة جديدة ولكن لم يحدث ذلك.
لكنه يؤكد أنه “لا يمكن لوم المجتمع الدولي فقط لأن الحرب الأهلية يتحملها الليبيون وهم من تنازعوا على السلطة والمال وكل فريق استقوى بطرف”.
ويشير تقرير “فورين بوليسي” إلى الحاجة أكثر من أي وقت مضى “للحوكمة العالمية” من أجل علاج الفوضى في ليبيا، لكن هذه الحوكمة الآن “أقل فاعلية من أي وقت مضى في التاريخ الحديث”.
ويقول إن مؤسسات “الحوكمة العالمية” المكلفة بتنسيق استجابة المجتمع الدولي للأزمة، مثل الأمم المتحدة “تُخترقها حاليا بشكل كامل الدول التي ترغب في إحداث الفوضى، مثل روسيا والصين”.
ويرى عبد الكافي أن الأمم المتحدة لم تنجح في العديد من القضايا على مستوى العالم، وهي تحاول تحقيق النجاح في ليبيا لكنها لا تستطيع فرض سياسات معينة.
السلاح
ويؤكد الغويل أن الطريقة الوحيدة لتقليل فرصة حدوث نزاعات داخلية بعد الانتخابات هي منع الدول الخارجية من نشر السلاح، وتفعيل القرارات الدولية لفرض عقوبات على الأطراف التي تثير الفوضى في البلاد، وفرض عقوبات ضد الأطراف الداخلية التي تعطل العملية السياسية”، مشيرا على سبيل المثال إلى الأطراف التي لم تتوصل حتى الآن لصيغة حول دستور جديد.
وأضاف أنه “إذا كان المجتمع الدولي غير قادر على فرض عقوبات صريحة وواضحة على النافذين في الداخل والخارج، لن يحدث أي تغيير حقيقي”.
ويرى عبد الكافي أن بعض الدول بدأت بالفعل في تغيير مواقفها من أطراف الصراع وبدأت في فتح سفارات وقنصليات لها وعقدت صفقات مع الحكومة “وهذه المواقف ستساعد على استقرار ليبيا”.