العربي الجديد-
ينتظر المجلس الأعلى للدولة الليبي تلبية مجلس النواب دعوته لعقد أول اجتماع للجنة 6+6، المنوطة بإنجاز القوانين الانتخابية، فيما يترقب الليبيون ما ستسفر عنه محاولات المجلسين في إيصالهم إلى صناديق الاقتراع، رغم التشكيك الكبير في نيتهما تنظيم انتخابات ستقصيهما عن المشهد.
وتزامناً مع إعلان رئاسة المجلس الأعلى للدولة تسمية ممثلي المجلس في لجنة 6+ 6، الأربعاء الماضي، وجّه دعوة إلى رئاسة مجلس النواب من أجل عقد اللجنة اجتماعها الأول في العاصمة طرابلس خلال الأسبوع الجاري، وهو ما أكده عضو لجنة 6+6 عن مجلس الدولة، فتح الله السريري، موضحاً في تصريحات صحافية أمس الجمعة، أن اللقاء الأول سيكون لـ”وضع آلية تنظيمية لعمل اللجنة، وتحديد مكان انعقاد اجتماعاتها”.
وعلى الرغم من هذا الاستعداد من جانب مجلس الدولة، إلا أنه يعيش حالة انقسام كبير بين أعضائه، الذين أبدى عدد منهم اعتراضهم على نهج اختيار أعضاء اللجنة من قبل رئاسة المجلس من طريق التزكية، دون أي عقد جلسة للتصويت عليهم.
وفيما أشار قرار رئاسة المجلس بشأن اختيار أعضاء اللجنة، إلى أنهم اختيروا بناءً على تزكيات أعضاء المجلس، أكد رئيس المجلس خالد المشري، أن عمل اللجنة سيتم في إطار “السعي لإنجاز الانتخابات الرئاسية والتشريعية طبقاً للتعديل الدستوري الثالث عشر، وقبل نهاية هذا العام”، وفق ما أكده مكتب الإعلام بالمجلس.
وفي هذا الشأن، اعتبرت عضو المجلس أمينة المحجوب، أن اختيار أعضاء اللجنة “مخالف للّائحة الداخلية لعمل المجلس”، وأوضحت لـ”العربي الجديد” أن لوائح المجلس تفرض تشكيل اللجان المشتركة مع مجلس النواب بـ”التصويت لا عبر التزكيات”.
وذكّرت المحجوب بمخالفات سابقة أحاطت بظروف إقرار مجلس الدولة للتعديل الدستوري الصادر عن مجلس النواب، والشكوك في مدى قانونية جلسة إقرار التعديل، معتبرة أن تسمية ممثلي مجلس الدولة في لجنة 6 + 6 “باطل”، استناداً إلى أن تشكيل اللجنة مبني على التعديل الدستوري الذي انقسم الرأي بشأن إقراره داخل مجلس الدولة.
ويبرر السريري، خلال تصريحاته الصحافية، ذهاب رئاسة المجلس لاختيار أعضاء اللجنة بطريقة التزكية بـ”تعذر انعقاد جلسة المجلس لأكثر من مرة”، موضحاً أن لوائح المجلس تسمح لرئاسته بـ”تشكيل لجان للعمل في مثل هذا الظرف، شرط أن تكون بالتزكية”.
وكان 54 عضواً بمجلس الدولة قد أعلنوا رفضهم إقرار المجلس للتعديل الدستوري، وأعلنوا نيتهم عدم حضور أي جلسة لاختيار أعضاء لجنة 6+6، وفق ما أكدته عضو مجلس الدولة نعيمة الحامي، في تصريحات سابقة لـ”العربي الجديد”، وهو الأمر الذي قد تكون رئاسة المجلس قد استبقته باختيار ممثليها في اللجنة بالتزكية، ودون الدعوة لعقد جلسة بالخصوص.
وتساند عضو مجلس الدولة ماجدة الفلاح، رأي المحجوب حول مخالفة اختيار رئاسة المجلس أعضاء اللجنة من طريق التزكية، موضحة أن التزكية جاءت من قبل الأعضاء المؤيدين لقانونية جلسة المجلس التي أُقرَّ فيها التعديل الدستوري، وتساءلت في حديثها لـ”العربي الجديد”، حيال عمق الخلاف داخل المجلس، وحول “الرافضين الذين قاطعوا عملية التزكية”.
وفي رأي آخر يتوسط الجانبين، يرى عضو مجلس الدولة بلقاسم قزيط، أن القول إن طريقة اختيار أعضاء اللجنة غير قانونية “كلام غير دقيق”، لافتاً في تصريحات صحافية إلى أنّ “من المستحيل أن تُشكل لجنة تحظى بموافقة كل أعضاء المجلس، ونحن جاهزون لدعمها، لأن طريقها سيكون صعباً”، معتبراً أن “المجال الحالي ليس مجال اعتراض”، فالمهمة صعبة في تقديره، بحيث تتطلب “عدم التحدث في الأمور الصغيرة”.
وينصّ التعديل الدستوري على “تشكيل لجنة مشتركة من قبل مجلسي النواب والدولة، بواقع ستة (6) أعضاء عن كل مجلس، للتوافق بأغلبية الثلثين من أعضاء كل مجلس، وذلك لإعداد مشروعات قوانين الاستفتاء والانتخابات”.
وحيال هذا النص يتساءل الناشط السياسي أشرف النيهوم، عن حقيقة موافقة أغلبية ثلثي أعضاء مجلس الدولة على تسمية ممثليه في لجنة 6+6، معتبراً أن رئاسة مجلس الدولة “اقترفت خطأً، وستترك بهذا الخطأ ثغرة يمكن من خلالها الطعن أمام القضاء على نتائج عمل اللجنة، ونسف أي تقدم من قبل أي طرف لن تسير الأمور لصالحه”.
ولا يأمل النيهوم أن تحقق لجنة 6 + 6 أي إنجاز في طريق الانتخابات، ويقول في حديثه لـ”العربي الجديد”، إن المجلسين “يراهنان على اللجنة في اتقاء أو تأجيل خروج أمر الانتخابات عن سيطرتهما، إذا أقدم المبعوث الأممي عبد الله باتيلي على تشكيل وتفعيل اللجنة رفيعة المستوى التي لا يرى المجلسان مصلحة لهما في تشكلها، لأنها ستصبح بديلة منهما، ويتجاوزهما المشهد”.
ويستند النيهوم في رأيه هذا إلى أن التعديل الدستوري الذي توافق عليه المجلسان خلا نصّه من أي مادة من المواد الخلافية بينهما، مضيفاً: “التعديل الدستوري رحّل قضية ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، وهما أكبر مادتين خلافيتين وقفتا عقبة أمام أي توافق أو تقارب بين المجلسين في السابق، إلى لجنة 6+6، فما الذي يمكن أن يكون قد اختلف اليوم لتتمكن هذه اللجنة من حل الخلاف حول هذه المواد؟”.
وسبق أن شكل مجلسا النواب والدولة لجنة دستورية مشتركة بينهما، عقدت برعاية البعثة الأممية عدداً من اجتماعاتها منتصف العام الماضي في القاهرة، لكنها توقفت عند هاتين المادتين، وفشلت في حسم خلاف المجلسين حيالهما، حيث طالب المجلس بالسماح للعسكريين ومزدوجي الجنسية بالترشح للانتخابات، فيما اعترض مجلس الدولة على ذلك.
وفيما يرى النيهوم أن كل هذا المخاض السريع من المجلسين جاء على خلفية ضغوط أميركية وأوروبية لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، معتبراً أن هذه الضغوط تجري لتحقيق مصالح دولية كبرى تتجاوز مصلحة ليبيا في إجراء الانتخابات، يرى الباحث في الشأن السياسي خليفة الحداد عكس ذلك، مطالباً بضرورة دعم الزخم الحاصل في المشهد، لـ”تفويت الفرصة على المجلسين”، قائلاً إن “تلك الضغوط الخارجية هي الوحيدة التي يمكن أن تجبر المجلسين على نزع خلافاتهما حول المادتين للمضي نحو الانتخابات”.
وفي ظل عدم إعلان مجلس النواب تلبية دعوة مجلس الدولة لبدء عقد اجتماعات لجة 6+6 الأسبوع الجاري، وإمكانية أن يكون صمت مجلس النواب وراءه مخاوف من انقسام الموقف داخل مجلس الدولة، يرى الحداد في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “الوقت تجاوز العودة للنظر في خلافات مجلس الدولة، وترحيب المبعوث الأممي بتسمية المجلس أعضاءه دليل على عزمه على التعاطي مع اللجنة وأعمالها”.