العربي الجديد-
وسط الأزمات التي ما زالت ليبيا تتخبّط فيها، كثيرة هي الانتهاكات التي تُسجَّل في البلاد على صعد مختلفة، من بينها الخطف والإخفاء القسري والقتل، بالإضافة إلى الاتّجار في الأعضاء البشرية الذي كشفت السلطات عنه أخيراً.
فقد أعلن رئيس مكتب النائب العام، الصديق الصور، للمرّة الأولى بشكل رسمي عن اتّجار في الأعضاء البشرية يجري في ليبيا، وذلك في أثناء لقاء عقده برؤساء الأجهزة الأمنية في البلاد، في وقت سابق من شهر سبتمبر الجاري.
وتحدّث الصور عن نشاط جمعيات ومنظمات تنشط في مجال تنظيم عمليات الهجرة، فتعمد إلى الاتجار في البشر وغسل الأموال وتمويل التنظيمات المحظورة في البلاد، في حين أنّ جديدها هو الاتّجار في الأعضاء البشرية.
وقد أفاد الصور، بحسب ما جاء في منشور على صفحة مكتب النائب العام الرسمية، بأنّ التحقيقات التي أنجزتها النيابة العامة أظهرت مؤشرات تؤكد تنامي عمليات تنظيم الهجرة غير الشرعية على نطاق واسع، من أجل تحقيق منافع مادية غير مشروعة من قبل القائمين عليها، مشيراً إلى أنّ النيابة العامة رصدت أنشطة نظمتها جمعيات “طاولت أنماطاً أخرى من السلوك الآثم، أخصها الاتّجار في البشر، والاتّجار في الأعضاء البشرية، وغسل الأموال، وتمويل التنظيمات المحظورة”.
وعلى الرغم من الفوضى التي عاشتها البلاد طيلة السنوات الماضية، والتي ساعدت على انتشار أنشطة غير مشروعة وانتهاكات بمختلف الصور، فإنّ ما أعلنه النائب العام حول رصد نشاط اتّجار في الأعضاء البشرية هو الأوّل من نوعه. وقد زاد من توجّس نشطاء ومراقبين للشأن العام في البلاد، إعلان مكتب النائب العام أخيراً إلقاء القبض على أحد المتّجرين في البشر وهو من الجنسية الصومالية ويُدعي حسن قيدي، في أحد مناطق غرب ليبيا، كاشفاً النقاب عن قيادته لشبكة منظمة للاتّجار تورطت في مقتل عشرات من المهاجرين “من أجل الاتّجار في أعضائهم”.
وأوضح الصور في تصريحات صحافية في هذا الإطار أنّ عملية توقيف حسن قيدي نفّذها اللواء 444 التابع للحكومة، مشيراً إلى إقرار المهرّب الصومالي بالتعامل مع مهرّبين ليبيين متورّطين في ممارسة انتهاكات في حقّ مهاجرين من قبيل “الاعتداء الجنسي على عدد من المهاجرات تحت التهديد، والتعرّض إلى مهاجرين بالمعاملة القاسية لإرغام ذويهم على دفع مبالغ مالية نظير إطلاقهم”.
وفي سياق متصل، تعبّر الناشطة الحقوقية الليبية بدرية الحاسي لـ”العربي الجديد” عن مخاوفها من ارتفاع مستوى خطر الانتهاكات في البلاد، وتقول إنّ “تقارير إعلامية عدّة تحدّثت عن ذلك، إنّما من دون دلائل ظاهرة، والآن لدينا تأكيد من مسؤول في أعلى هرم السلطة القضائية وهو النائب العام”.
تضيف الحاسي أنّ “النائب العام تحدّث عن جمعيات، وهو ما يعني عملاً منظّماً، تحوّلت البلاد بنتيجته إلى موقع لتصدير هذا النوع من عمليات الاتّجار”، مشيرة إلى أنّ “إلقاء القبض على المهرّب الصومالي في داخل ليبيا دليل واضح على ازدهار ذلك فيها”. وتذكّر الحاسي بالتقارير التي تناقلتها وسائل الإعلام بشكل واسع في خلال عام 2017 والتي كشفت عن ازدهار سوق بيع المهاجرين كعبيد في ليبيا، قائلة إنّه مع “تملّك المتاجرين في البشر المهاجرين كعبيد واحتجاز حريتهم، في الإمكان تصوّر أيّ جريمة قد يقترفها هؤلاء. وسرقة أعضاء المهاجرين بقصد الاتّجار فيها أمر ممكن جداً”. وفي حين تبدو الحاسي متفائلة من نشاط الأجهزة الأمنية والقضائية في البلاد لمكافحة هذه الظاهرة، فإنّها في ذات الوقت تعبّر عن “خشية من أن يشارك الخارجون عن القانون بالبلاد في ذلك”.
وفي الإطار نفسه، أعلنت النيابة العامة في بنغازي أخيراً إلقاء القبض على شخص من الجنسية المصرية يُدعى هشام شحاتة، انتحل صفة طبيب وهو متّهم سابق بسرقة أعضاء بشرية. وبحسب إفادة صحافية لمكتب النائب العام، فإنّ النيابة العامة في بنغازي ألقت القبض على المتهم المصري بعد بدئها التحقيق في حادثة خطأ طبي نجمت عنها وفاة مواطنة في أحد المستشفيات الخاصة في بنغازي، نتيجة عدم التزام الطبيب المعالج بالقواعد الطبية. فتبيّن أنّ المعالج منتحل صفة طبيب وهو مطلوب لدى السلطات في قضايا عدّة، من بينها ارتكابه جريمة سرقة أعضاء بشرية والاتّجار فيها.
وتطالب الحاسي بضرورة “تشدّد السلطات في تطبيق قانون المسؤولية الطبية، والتحقّق من حصول المستشفيات على رخص لمزاولة الطب، خصوصاً في التخصصات الجراحية” مؤكدة “وجوب قرع السلطات جرس الإنذار استناداً إلى ظاهرة سرقة الأعضاء والاتّجار فيها واستغلال المهاجرين من خلال جمعيات منظّمة”. وترجّح الحاسي أن “يكون للحراك الذي يقوده مكتب النائب العام دور في الحدّ من الظاهرة”.