العربي الجديد-
ينتظر المشهد الليبي ارتدادات قرار مجلس النواب الذي صدر الثلاثاء، بشأن إيقاف رئيس الحكومة المكلف منه فتحي باشاغا عن مهامه، إذ يتوقع مراقبون أنه سيمثل هزة تغيّر الكثير من موازين أحلاف السياسيين، ما سيخلق المزيد من العراقيل أمام إنجاز الاستحقاق الانتخابي.
وفي محاولة لإزالة الغموض والجدل حول قرار إيقاف باشاغا وإحالته للتحقيق، كثف المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبد الله بليحق ظهوره الإعلامي، ليل الثلاثاء، لتوضيح أسباب وخلفيات القرار.
وضمن تصريحاته ذكر بليحق بأن عدداً من أعضاء المجلس كانوا قد طالبوا منذ فترة بالتحقيق مع باشاغا حول أداء حكومته وعدم تنفيذها لأي من بنود البرنامج الذي قدمه لمجلس النواب، مؤكداً أن باشاغا فشل في الإيفاء بالعديد من التزاماته، ومنها “دخول العاصمة طرابلس ومباشرة العمل منها، والحصول على اعتراف من المجتمع الدولي بالحكومة، الذي أثر على حضورها السياسي والدولي رغم نيلها الثقة من مجلس النواب”.
ولم يتحدث بليحق عن سبب تغيب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن رئاسة جلسة الإيقاف، التي ترأسها نائباه، الأول فوزي النويري، والثاني الهادي الصغير، كما لم يصدر حتى الآن أي تعليق من جانب باشاغا حيال استجابته لقرار إيقافه وإحالته إلى التحقيق.
صفقة بين صدام والدبيبة
ويمكن الربط بين إجراء إيقاف باشاغا وصفقة بين صدام نجل حفتر، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بحسب تطابق معلومات مصادر برلمانية، مشيرة إلى أن اتصالات تجرى منذ فترة بين صدام نجل حفتر، وشخصيات مقرّبة من الدبيبة بهدف التحضير لمشروع دمج الحكومتين في هيئة حكومية واحدة، يتقاسم فيها الطرفان أهم المراكز والحقائب الوزارية، إلا أن باشاغا سعى مؤخراً لعرقلة هذه الاتصالات بعد أن كان منخرطاً فيها.
وفيما يبدو سعياً من جانب معسكر حفتر إلى إقصاء أي شخصية تعارض مشروع دمج الحكومتين، أشارت المصادر البرلمانية لـ”العربي الجديد” إلى أن لقاءات ضمت عدداً من النواب في بنغازي منذ مطلع الأسبوع الجاري ناقشت سبل حشد موقف داخل مجلس النواب لتقوية موقع النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، بهدف الحد من هيمنة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على قرار رئاسة المجلس.
وأكد أحد المصادر البرلمانية أن جلسة الثلاثاء التي ترأسها النويري، إلى جانب النائب الثاني الهادي الصغير، دعا إليها النويري بالتوافق مع الصغير دون الرجوع إلى عقيلة صالح.
ويلفت دبلوماسي مقرّب من مجلس النواب، وهو مستشار لدى لجنة التواصل السياسي بمجلس النواب، إلى أن الخلافات القائمة بين عدد من النواب حيال انفراد عقيلة صالح بقرارات مجلس النواب استثمرتها الشخصيات الداعمة لمشروع التقارب بين معسكر حفتر وحكومة الدبيبة بحشد النواب الرافضين لهيمنة عقيلة صالح على قرارات المجلس في تكتل واحد، بهدف دفعها لعقد جلسات يمكن من خلالها تمرير قرارات لصالح مشروع التقارب، مؤكداً أن جلسة مجلس النواب الأمس كانت نتيجة لتلك الجهود داخل المجلس.
ولفت الدبلوماسي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ”العربي الجديد”، إلى أن رئاسة نائبي رئيس المجلس، النويري والصغير، للجلسة حد من اتخاذ عقيلة صالح أي قرار باتجاه إفشال الجلسة في بنغازي، بسبب مشاركة أغلبية أعضاء هيئة رئاسة مجلس النواب (هيئة الرئاسة مكونة من رئيس ونائبين ومقرر وناطق باسم المجلس).
استبعاد وليس إقالة
وعلى الرغم من كل تلك الترتيبات، فلا يبدو أن نفوذ النواب الساعين للحد من هيمنة عقيلة صالح على قرارات مجلس النواب كبير، وهو ما تشير إليه معلومات الدبلوماسي التي تقاطعت مع معلومات مصادر برلمانية من أن قرار استبعاد باشاغا صدر بصيغة إيقاف عن العمل فقط دون إقالته، وذلك لعدم القدرة على توفير النصاب القانوني اللازم لإصدار القرار في صيغة إقالة الذي يتطلب أكثر من صوت 100 نائب.
ويشير ذات الدبلوماسي إلى أن الاستعجال في عقد الجلسة كان يهدف إلى إفشال خطوة باشاغا بتكليف نائبه علي القطراني لتسيير مهام الحكومة ليحفظ بقاءه قريباً من حكومته، كون القطراني من حلفائه، مشيراً إلى أن تكليف أسامة حماد قطع الطريق أمام باشاغا.
من هو أسامة حماد المقرّب من حفتر؟
وحماد (44 عاماً) من المعروف أنه من الشخصيات المقرّبة من حفتر. ينحدر من مدينة اجدابيا، غرب بنغازي، ويحمل شهادة دكتوراه في البتروكيماويات، شغل منصب مكتب الاتصال الخارجي بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عام 2014، قبل أن يشغل منصب وزير المالية بحكومة الوفاق الوطني منذ تشكلها عام 2016.
لكن حماد استقال بعد عدة أشهر من منصبه بسبب “الموقف السلبي” لحكومة الوفاق مما وصفه بالجيش الوطني (مليشيات حفتر)، قبل أن ينخرط في العديد من الأنشطة ضمن معسكر حفتر، ومنها المشاركة في لقاءات غير رسمية احتضنتها بوزنيقة المغربية بين شخصيات وعسكريين من جانبي حفتر والدبيبة في مايو من العام الماضي.
وفي مارس من العام الماضي، اختير ليشغل منصب وزير التخطيط والمالية في حكومة باشاغا، قبل أن يتم تكليفه يوم أمس بتسيير أعمال حكومته.
زعزعة التحالفات
ويشير الأكاديمي والباحث السياسي خالد شطيبة إلى أن الاتصالات غير المعلنة بين معسكر حفتر وحكومة الدبيبة لم تعد أهدافها خافية، لكنه يستدرك بالقول “رغم كثرة الاتصالات وتلاقي مصالح الجهتين، إلا أن فرص نجاحها تكاد تكون غائبة تماماً”.
ويشرح شطيبة في حديث لـ”العربي الجديد” ذلك بالقول “المعطيات التي يؤسس عليها الطرفان صفقتهما تبدو عديدة، لكنها اقتصادية في الأساس وتدور أغلبها حول ملف النفط والسيطرة على موارده، فشخصية حماد على علاقة بذات الملف، الذي اتخذ الجانبان فيه خطوة منتصف العام الماضي بتعيين الدبيبة فرحات بن قدارة، الشخصية القريبة جداً من حفتر رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط”.
وأضاف: “هناك خلفية مهمة بالنسبة لحماد، فهو ينتمي إلى إحدى مناطق الدائرة الانتخابية الرابعة، وهي دائرة من أهم الدوائر لأنها تضم مناطق أكبر أحواض النفط وتمتد من اجدابيا شمالاً حتى الكفرة جنوباً مروراً بالواحات الغنية بالنفط”.
وفيما يشير الباحث الليبي إلى أن تلك الاتصالات تحاول أن تقيّم أسس المقاربة بينها والمتمثلة بالسيطرة على موارد المال كطريق لإقناع المجتمع الدولي بجدواها، إلا أنه يرى أن “طول فترة الاتصالات وتأخر اتخاذ الخطوات يؤشر على انعدام الثقة بين الطرفين، خصوصا وأن حفتر الذي يسعى لأن يشرف أولاده على هذه الاتصالات لعقد صفقة من الدبيبة هو نفسه سبق وأن أعطى كل تأييده لباشاغا ووعد بدعمه لكنه تخلى عنه الآن”.
ومن العوامل التي يرى شطيبة أنها تهدد بنسف أي صفقة تترتب على هذه الاتصالات أن “الدبيبة لا يحظى بتأييد كامل للمجموعات المسلحة في غرب البلاد، وفي طرابلس تحديدا، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالعامل القبلي والاجتماعي له دوره المؤثر في شرق البلاد، ويميل بشكل أكبر إلى جانب عقيلة صالح”.
وفي كل الأحوال يؤكد شطيبة أن قرار استبعاد باشاغا “سيزعزع بينة التحالفات القائمة، فقد نرى تقاربا أكثر قوة بين عقيلة صالح وخالد المشري على الصعيد السياسي، وقد نشاهد نشاطا جديدا لإحياء تحالف القوى العسكرية الموالية لباشاغا في مصراته مع القوى العسكرية التي يقودها أسامة الجويلي في الزنتان، التي قد تخطو خطوة جديدة لتهديد الدبيبة في معقله بطرابلس، التي لم تعد القوى المسلحة فيها بذات ولائها السابق للدبيبة”.
وفي أعقاب قرار إيقاف باشاغا، دعا رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، مجلس النواب إلى الاتفاق مع مجلس الدولة على “خريطة طريق واضحة”، تمهد لإجراء انتخابات “في ظل حكومة موحدة صغيرة لإجراء الانتخابات”، وكذلك لإنهاء المرحلة الانتقالية.
وحث المشري، خلال سلسلة تغريدات على حسابه الخاص، مجلس النواب على وقف “إسهاب إصدار قوانين وتشريعات لا تتطلبها المرحلة الحالية”، واصفا قراره بإقالة باشاغا “بالعبث السياسي”.
صعوبة استبعاد صالح من المشهد
لكن مفتاح سلطان، عضو حزب ليبيا الديمقراطي الوطني، يرى تغريدة المشري “مجرد تعليق للمواكبة فقط، فهو يعلم جيدا أن تلبية دعوته غير ممكنة، لا سيما في ظل الخلافات القائمة في مجلس النواب”.
وأضاف سلطان في حديث لـ”العربي الجديد”: “من الواضح أن عدم حضور عقيلة صالح للجلسة أمس يؤشر على وجود خلافات وأنه يرفض استبعاد باشاغا، فالنائب الأول الذي ترأس جلسة الأمس لم يوضح سبب تغيب صالح كما هي العادة في كل الجلسات التي يترأسها في غياب عقيلة، كما أن عزوف أكثرية النواب عن حضور الجلسة هو الآخر مؤشر على تلك الخلافات”.
وفيما يشير سلطان إلى أن إصدار النويري قرارا بمعزل عن صالح بشأن ضرورة اجتماع المجلس دوريا ليومين من كل أسبوع، إشارة أخرى لرغبة طيف من النواب في استبعاد صالح من رئاسة المجلس. إلا أنه يستدرك قائلاً “قد يكون إسقاط باشاغا سهلا، لكن ليس من السهل استبعاد صالح من منصبه، فهو يحظى بدعم إقليمي ودولي، وعليه لا بد من موافقة داعميه من الخارج على استبعاده وهو أمر صعب”، مذكراً بأن النويري تزعم عدة محاولات سابقة لإسقاط صالح من رئاسة المجلس.
وسبق أن واجه صالح أكثر من محاولة لتنحيته من رئاسة مجلس النواب. وعلى الرغم من الأغلبية داخل مجلس النواب التي قادت تلك المحاولات، وأبرزها اجتماعات طنجة المغربية في نوفمبر 2020، وغدامس في ديسمبر 2020، وصبراته في فبراير 2021، غير أنها فشلت.