* كتب/ عطية صالح الأوجلي،
لم يقم “الحاج” عمران بزيارة لبيت الله قط.. لا لحجة أو حتى عمرة.. فالرجل لم يقم حتى بزيارة للسعودية.. أما كيف صار حاجا، فوراء ذلك قصة … !!!
فمنذ عدة سنوات تم تصعيد عمران مسؤولا على قمة منشأة اقتصادية بالبلاد، مما أوقع كبار الموظفين في حيرة كيف يمكن أن يخاطبوه، فالرجل لا يحمل سوى الشهادة الإعدادية، وهم جميعا يفوقونه خبرة ودراية وعلما، فكان أن تفتقت عبقرية أحدهم بمناداته في اليوم الأول لاستلامه المنصب بالحاج عمران، فالتصق اللقب به التصاقا شديدا حتى بدا كما لو أنه قد ولد به وهكذا كان اكتسابه للقب حلا وابتداعا إداريا صرف.
لم يزعج الأمر عمران. فالحج، ارتبط في ذهنه بالتقوى والصلاح والزهد، وأحس أن زملاءه لا يرون فيه سوى ذلك، فتبنى اللقب حتى إنه كان يوقع رسائله وقرارته، بالحاج عمران.
مرت سنوات، وتبدلت فيهن الكثير من الأمور بما فيهن أوضاع الحاج عمران الاقتصادية والاجتماعية، فتغير سكنه وانتقل من فشلوم إلى قرقارش، وتزوج للمرة الثانية، هذه المرة من سكرتيرته التي كانت تصغره بكثير، تحسن هندامه، وكثرت سفرياته للخارج، وازداد وزنه، ونما كرشه.
وفي إحدى السنوات، سرت إشاعة قوية أن المسؤولين الذين لا يحملون شهادات عليا ستتم إزاحتهم من مناصبهم، انتابت الحاج عمران حالة من الذعر والقلق الشديدين وتخيل نفسه وقد أزيح من منصبه، فيفقد ليس فقط الوظيفة وإنما أيضا الحجة، وربما حتى الزيجة الجديدة.
استشار من حوله، فأخبره أحدهم إن الأمر بالإمكان ترتيبه، وسأله عن أكثر دولة قد قام بزيارتها، رد الحاج بلغاريا ورومانيا لارتباط الدولتين باستيراد اللحوم والمواشي، أجاب المعاون، فرجت يا حاج، المسألة كلها أسابيع وستأتيك الشهادات العلمية التي تحتاج..
قام الحاج بتكليف معاونه للقيام بزيارة البلدين في مهمة رسمية لمدة أسبوعين عاش فيهما الحاج على أحر من الجمر، واستهلك فيهما عدة شرائط فولترين، وكمية لا بأس بها من الكافيين.
وأخيرا حل الفرج، عندما قدم المعاون ذات صباح إلى المكتب وهو يقول: “مبروك التخرج دكتور عمران”، هب الحاج من كرسيه غير مصدق واحتضن المعاون بشدة. تأمل شهاداته العلمية الجديدة التي ستمنحه حصانة ومكانة، قرر أن يتم الإعلان عن ذلك في حفل كبير بالمنشأة وبالبيت تعبيرا عن الفرحة بهذا الإنجاز.. بالطبع لم يغب أحد من الموظفين والأصدقاء والأقارب والجيران.
وهكذا حل تغير كبير في حياة عمران الذي أخذ يفكر جديا في شراء بيت آخر والزواج للمرة الثالثة، وربما التقدم للتدريس بالجامعة، بل ربما حتى يذهب إن سمح له الوقت “للحج والعمرة” …!!
الطريف في الأمر أنه وقد تقاعد الآن، لا زال يوقع في اسمه، بالدكتور الحاج عمران.
أما المحزن في الأمر …
فإن الحاج عمران …
قد تحول بفعل السنين إلى ظاهرة.. باقية .. وتتمدد.