الرئيسيةفي الذاكرة

فِينَا حَكَمْ بَابَاني

قصيدة لأحد المجاهدين الليبيين الشعراء يرثي الحال تحت الاحتلال الإيطالي

* كتب/ عبدالوهاب الحداد،

 

هِي فَانْية وَاللِّي عَليهَا فَاني  الدَهرْ انْقَلبْ فِينَا حَكَمْ (بَابَانِي)

 

هذا مطلع قصيدة للشاعر المجاهد: علي بن محمد بن حسن حنقة المقصبي المصراتي (1876 – 1953م)، يعود تاريخها -على الأرجح- للفترة التي احتل فيها الإيطاليون مدينة مصراتة للمرة الأولى بين عامي 1912 – 1915م، يرد فيها ذكر شخص يهودي يدعى “باباني” نُصّب “بي/بيك” على أهالي المدينة بعد زوال حكم قادة البلاد من ذوي النياشين والأوسمة:

غَلبْ تُوصيفَه  الدَّهرْ انْقَلبْ جَوَّر عَلينَا حِيفَه
بْدِي بَيّنَا ايهُودي كَلِي طَارِيفَة  اللِّي يَشْتكي بِالسَّبتْ مَا لَه عَانِي
لو كَانْ طَالبْ عَنْ عْدَاهْ حَسِيفَة  لَا يْرَاجْعُوه اسْلاَمْ لَا طِلْيَاني
مَظْلُــوم مَا يَصَّنْتُوا تَخْريفَه  كِيفْ لَجْنبي كِيفْ الْحَبِيبْ الدَّاني
صَارْ العَوَجْ فِي وَقَتْنَا وْتصْريفَه  حَكَمْنَا ايهُودي بَعَدْ بُونِيشَاني

 

يشعر “الفقي علي” بالغبن والمذلة من الوضع الذي وصلت له البلاد؛ بعد أن رضي “كبار الوطن” بيهودي يُولّى أميرًا عليهم، هذا اليهودي الذي يتعمد إهمال شكاوى المسلمين فـ”يواطي عينه” ويخاطبهم بلغة إيطالية قائلا لهم: “دوماني/ غدا”. وبحسب رأي “الفقي علي” أن البلاد ضاعت منذ “نهار الهاني” أكتوبر 1911م:

عليكْ غَبِينَة  معيشَةْ صَغَا شينَكْ معِيشَة شينَة
حَطُّولنَا ايهُودي أًمِير عَلينَا  كبَارْ وَطْنَّا طَابُوا كَمَا النِّسْوَاني
إِنْ جَاه يِشْتَكَي مُسْلمْ يوَاطي عينَه  يبَرَّمْ لَغَاتَه يقُول لَه دُومَاني
ضاعْ الطَربْ والْوقت مَاوْ موَاتينَا  انْفلَقتْ الْحِسبَة منْ نَهَارْ الهَانِي

 

إن الحياة تحت إمارة اليهودي “باباني” وهو يتوعد المسلمين و”يبرم في شنباته”، هي حياة بلا شرف، الموت أفضل منها. فحسرة على زمن الحكومة العثمانية:

عَلِيك شَماتَة  يهُودِي بَدَا حَاكَم عَلَى مصْراتَة
بنَادمْ بَلا نَامُوس وَاشْ حَيَاتَه  معِيشَة بَلا نَامُوسهَا لقَّانِي
شِينكْ عَجبْ مَا قَبلْ عِينِي رَاتَه  لَيَّامْ دُورَدَنْ دَارَنْ عَلَيْ بِلْعَاني
يهُودي عَلِينَا يُبْرَمْ فْـ شنْبَاتَه  مِيلَاه بَعَدْ حْكُومَةْ الْعُثْمَاني

**

منذ أن سمعت القصيدة؛ شغلني هذا الـ”باباني” الذي حكم مصراتة وصار أميرًا عليها -ولو مجازًا- وجعل من “الفقي علي” يفضل الموت على الحياة تحت حكمه!

رحلة البحث عن “باباني” قادتني لعدد من الشخصيات اليهودية الليبية التي عاشت في زمن نظم القصيدة، تتوافق بعض القرائن مع شخصية البي “باباني” الذي نبحث عنه.

الأول هو “باباني مغناجي” الذي ذكره الأستاذ “علي مصطفى المصراتي” في كتابه “التعابير الشعبية” وقال إنه درس سنة 1904م بمدرسة العنقودي في مصراتة، وأصبح بعد ذلك بسنوات قاضيًا لليهود في طرابلس، ولعله ذات الشخص الذي روى للأستاذ “محمد فشيكة ” قصة لقاء المجاهد “رمضان السويحلي” بالكولونيل “مياني” سنة 1915م وترجم بينهما، وأورد “فشيكة” أنه –أي باباني- عُين في آخر أيام حياته موظفًا بمحكمة الربيين اليهود في مدينة طرابلس، ومات سنة 1968م.

وفي الكتاب القيّم “يهود طرابلس الغرب” للدكتور “خليفة الأحول” جاء ذكر أكثر من “باباني”، أبرزهم “باباني مغناجي” الذي كلف رئيسًا للكتبة بالمحكمة الحاخامية في طرابلس يونيو 1931م، ويبدو أنه نفسه “باباني إبرامو مغناجي” أحد قضاة المحكمة الحاخامية بطرابلس سنة 1936م، و”باباني مغناجي” الموثق الرسمي لعقود اليهود، وأمين سر نادي “الجيتو” الصهيوني بطرابلس سنة 1916م، وعلى الأرجح أنه نفس الشخص المذكور لدى الأستاذين: “المصراتي” و”فشيكة” وفي قصيدة “الفقي علي بن حسن”.

إضافة إلى ذلك ورد اسم “باباني” في كتاب الدكتور” الأحول” منها: ” باباني ابن يوسف بن شاؤول ركاح” من مواليد طرابلس في سبتمبر 1914م صدر بحقه حكم سنة 1935م يقضي بعدم تمكينه إبرام العقود، و “باباني سعادة” الذي جاء اسمه في رسالة موجهة للوزير الفرنسي في تونس ديسمبر 1947م يحوي أسماء اللاجئين الطرابلسيين، وهو تونسي الجنسية يعمل كبائع متجول.

وبالرجوع لقوائم اليهود الليبيين الذين ذكروا في كشف أرفق بقانون أملاك الدولة الليبية سنة 1972م نصادف اسم “باباني” كثيرا، ومنهم: “باباني حبيب” و”باباني بايتو” و”باباني كحلون” و”باباني بن حواتو” وغيرهم من البابانيين.

وبالعودة لقصائد “الفقي علي بن حسن” نصادف أسماء يهود آخرين ذكروا في سياقات مختلفة، من ذلك الوعيد لكل من تعاون مع الغزاة بأن يكون “مقامه نار جهنم” صحبة “ولد غزالة” و”شمعون” و”عقيبة” وهي شخصيات يهودية كانت تقطن مدينة مصراتة.

يَا تَعَسْ مَنْ عَاقَلْ عَلَى نَصْرَانِي  خَرَجْ مَ الشَّفَاعَة وْمنْ رِضَى مَوْلاَنَا ([1])
يُومْ لَاخْرَة يَبْقَى حْدَا (عُقْبَانِي)  وْ(شَمْعُونْ) وَ(عْقِيبَة) يْجُوا جِيرَانَه ([2])

 

**

لَاهُو بدنْيَا لَا حَسَنْ مَعَمُولَه  يَلْقَاهْ غُدْوَة يْنَالْ بيهْ نفَالَة
مَقَامه جَهَنَّمْ نَارْ مَكْبرْ هُولَه  حدَا (ادْوَارْدُو) وبِجْوَارْ وَلَد (غَزَالَة)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1](عَاقَلْ: مختبئ.

[2](عُقْبَانِي وشَمْعُونْ وَعْقِيبَة: وردت هذه الأسماء بسجلات المحكمة الشريعة مصراتة لشخصيات يهودية كانت تقطن المدينة مصراتة في العهد العثماني الثاني اطلع عليها المحقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى