الأناضول-
شكلت احتفالات الليبيين بالذكرى الحادية عشر لثورة 17 فبراير، فرصة للأطراف المتصارعة على رئاسة الحكومة لاستعراض شعبيتها وعقد مزيد من التحالفات، مع اقتراب عرض فتحي باشاغا، تشكيلة حكومته على مجلس النواب في طبرق.
غير أن عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، كان أكثر المستفيدين والمستثمرين في احتفالات الثورة، التي شارك فيها عشرات آلاف الليبيين.
واستحوذ الدبيبة، على النصيب الأبرز من الأضواء في ذكرى الثورة، سواء من خلال إشراف حكومته على تنظيم وتأمين الاحتفالات بـ”ميدان الشهداء” وسط العاصمة طرابلس، وفي العديد من ميادين المنطقة الغربية كالزاوية ومصراتة، أو من خلال تواصله المباشر مع الناس، وخطابه الذي ابتعد عن الشخصنة مع توجيه سهام نقده نحو خصومه.
ودعا الدبيبة، مجلس النواب والدولة، للاستماع إلى الشعب وأن يدفعوا بالانتخابات، قائلا: “نعم للانتخابات، لا للمراحل الانتقالية”.
ولم يكتف رئيس حكومة الوحدة بحشد الناس حوله بخطاب تعبوي، بل استخدم سلطته المالية لتقديم سلسلة من خطط الإنفاق التي تحظى بشعبية واسعة، ما أثار حفيظة خصومه.
حيث وعد بتوزيع 50 ألف قطعة أرض، و100 ألف وحدة سكنية على الشباب، وتقديم قروض، وعلاج جرحى الحروب في الداخل والخارج، وتوزيع بطاقات التأمين الصحي للمتقاعدين.
وبهذا الخطوات التي رافقتها تغطية إعلامية محلية واسعة، أظهر الدبيبة، أن الشريحة الأكبر من الرأي العام في المنطقة الغربية تدعمه.
** مجلس الدولة يغير مواقعه
وهذا الدعم الشعبي للدبيبة، من شأنه التأثير على موقف المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، الذي توافق مع مجلس النواب على “خريطة طريق” تضمنت تعديل الإعلان الدستوري وتغيير الحكومة.
إلا أن اعتراض 54 عضوا في مجلس الدولة (من إجمالي 134) على هذا التوافق، وتشكيكهم في بيان ضم 75 اسما لزملائهم يؤيدون خريطة الطريق (بعضهم نفى التوقيع على هذا البيان)، من شأنه إعادة ضبط بوصلة المجلس.
فهذا الانقسام داخل مجلس الدولة، وانحياز الغالبية الأكبر من الرأي العام وكتائب المنطقة الغربية، للدبيبة وحكومته، قد يدفع خالد المشري، رئيس المجلس لإعادة النظر في تحديد موقعه.
وتجلى هذا التراجع، عندما قال المشري في بيان، إن قرار مجلس النواب بتكليف رئيس جديد للحكومة، قبل انعقاد جلسة رسمية للمجلس الأعلى الدولة “إجراء غير سليم.. ولا يساعد على بناء جسور الثقة بين المجلسين”.
غير أنه لم تُعقد بعد جلسة لمجلس الدولة، لحسم الخلاف بين أعضائه، وتحديد موقف رسمي بشأن خريطة الطريق التي صادق عليها مجلس النواب، ما يمكن اعتبار تصريحات المشري، محاولة لامتصاص غضب أعضاء مجلس الدولة المعارضين، وأيضا الرأي العام في المنطقة الغربية، الذي يرفض التمديد للمجلسين.
أما إذ وقف مجلس الدولة في صف الدبيبة، فإن ذلك سيعيد التوازن النسبي مع مجلس النواب في طبرق، لكنه سيرسخ الانقسام.
** باشاغا يختار طريق الإقناع
إن كان باشاغا، خسر “مؤقتا” معركة الرأي العام في المنطقة الغربية، فإن لديه أوراق يتفوق فيها على الدبيبة، وعلى رأسها دعم مجلس النواب والجزء الأكبر (لحد الآن) من أعضاء مجلس الدولة.
وبعد تأييد قوات شرق ليبيا، بقيادة خليفة حفتر، لباشاغا، وعشرات الكتائب المسلحة في الغرب، فإن ميزان القوى العسكري يميل لصالحه، وإن كانت الكتلة الأكبر من الجيش في الغرب والكتائب المساندة له تدعم الدبيبة.
ويكاد يكون باشاغا حاليا، الشخصية الوحيدة التي يمكنها زيارة جميع المدن الليبية، بفضل الدعم الذي يقدمه له حفتر، في حين أعاق الأخير، زيارة الدبيبة إلى مدينة بنغازي وعدة مدن أخرى في الشرق والجنوب تقع تحت سيطرته، باستثناء طبرق، حتى قبل تكليف باشاغا بتشكيل الحكومة في 10 فبراير الجاري.
ورغم هذا الدعم العسكري شرقا وغربا، إلا أن باشاغا معروف عنه أنه لا يفضل أسلوب المغالبة المسلحة إلا بعد استنفاذ كل السبل السلمية، لذلك كثف في الفترة الأخيرة زيارة المدن الليبية للقاء أعيانها وإقناعهم بوجهة نظره.
وخلال الاحتفالات بذكرى الثورة، التقى باشاغا عددا من أعيان مصراتة، في تجمع شعبي حضره العشرات، وفي نفس اليوم توجه الدبيبة إلى نفس المدينة، التي ينحدر منها الرجلان، والتقى أنصاره وأبناء عشيرته، دون أن يحدث أي صدام بين أنصارهما.
لكن المعركة الحاسمة التي يستعد باشاغا لخوضها، هي إقناع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشرعية الحكومة التي كُلف بتشكيلها، بـ”التوافق” بين مجلسي النواب والدولة.
ولقاء باشاغا مع الأمريكية ستيفاني ويليامز، المستشارة الأممية، خطوة في سبيل تحقيق هذا الهدف، خاصة بعد أن تحدثت عن ضرورة “المضي قُدمًا” بطريقة شفافة وتوافقية من دون أي إقصاء.
واعتبر هذا التصريح دعما من ويليامز لباشاغا، دفع حكومة الوحدة، لاتهامها بـ”التحيز”، الأمر الذي اعترضت عليه السفارة الأمريكية، وأوضحت نهج المستشارة الخاصة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إزاء الظروف الحالية “كان متسقا مع المبادئ الأساسية لقرارات مجلس الأمن الدولي، ونتائج الاجتماعات الدولية بشأن ليبيا”.
ورغم أن المجتمع الدولي ما زال يعترف بحكومة الدبيبة، إلا أن حديث وليامز على ضرورة “المضي قُدما”، يُشكل خطوة مهمة نحو انتزاع الاعتراف الدولي بعد تشكيل حكومته واعتمادها من مجلس النواب، خاصة وأنه حظي لحد الآن بدعم دولة إقليمية بحجم مصر، ودولة كبرى تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن بحجم روسيا.
وفي خضم هذا الانقسام، يتحرك المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي، ونائبه عبد الله اللافي، نحو الوساطة بين الدبيبة وباشاغا، لتفادي انقسام جديد قد ينزلق إلى مواجهات مسلحة، فيما يلتزم موسى الكوني، العضو الثالث في المجلس صمتا غريبا.
ومرت ذكرى ثورة 17 فبراير الحادية عشر، عزز فيها الدبيبة شعبيته في المنطقة الغربية بشكل مهيمن، بينما يتحرك باشاغا بخطى ثابتة نحو انتزاع شرعية رئاسة الحكومة باعتباره الشخصية التي تحظى بأكثر توافق بين الشرق والغرب، لكن لم ينتزع بعد “الاعتراف الدولي”.