العربي الجديد-
بقلق بالغ، تتابع الجالية الفلسطينية في ليبيا الأحداث الدامية للحرب في قطاع غزة عبر شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي تحديداً، وهو ما يفعله الليبيون، خاصة بعد انقطاع الاتصالات عن غزة.
ومع تزايد تأثر الجالية الفلسطينية بالتطورات المأساوية في غزة، تبلغت حنان صبحي التي تقيم في طرابلس خبر مقتل عمها وزوجة عمها وثلاثة من أبنائهم في القصف الإسرائيلي الذي استهدف منزلهم شمالي غزة. وأقامت أسرتها مأتماً لهم داخل المنزل في طرابلس بعدما شاركها فلسطينيون وليبيون وعرب صلاة الغائب على شهداء غزة. وأعقب ذلك انضمام أسرة حنان إلى تظاهرات نظمها نشطاء في ميدان الشهداء بطرابلس لمناهضة الكيان الصهيوني ومناصرة القطاع.
ويقول علي شرّاب، الفلسطيني المقيم في مصراتة لـ”العربي الجديد”: “الوضع مضطرب جداً في غزة، ولا نعرف مصير بعض أقاربنا باستثناء أبناء أخي الذين نجحوا في الاتصال بنا، وأبلغونا أنهم لا يزالون على قيد الحياة بعدما حصلوا على بدائل لشحن الهواتف مثل بطاريات سيارات”. ويلفت إلى أن الصعوبة لا تتعلق بتواصله مع أبناء أخيه في غزة، بل في قدرتهم نفسهم على التواصل مع أقاربهم داخل فلسطين.
يعتبر الاتصال من الضفة الغربية أو من دولة خارج فلسطين إلى قطاع غزة أسهل من إجراء غزي اتصالا من خلال شبكة اتصال محلية داخل القطاع. وهذا ما حصل مع كثيرين عجزوا عن التواصل مع أقاربهم في قطاع غزة، لكنهم طلبوا من أقاربهم في الضفة الغربية والأردن ومصر الاطمئنان على أعضاء من أسرهم، ربما كانوا يعيشون على بعد كيلومترات قليلة بعيداً عنهم.
عموماً ينشط شبان فلسطينيون كثيرون يقيمون في ليبيا لدعم دعوات التظاهر في الساحات على صفحات التواصل الاجتماعي، تمهيداً للمشاركة في تصعيد موقف الرأي العام العربي حيال ما يحدث في غزة.
ويقول طارق أبو حمادة، الفلسطيني المقيم في البيضاء شرقي ليبيا، والذي أنشأ مجموعة على تطبيق “واتساب” للتواصل مع شبان فلسطينيين آخرين، لـ”العربي الجديد”: “من أهداف إنشاء المجموعة تبادل الأخبار حول مصير الناس في غزة، ومن يصل إليه خبر عن شخص أو أسرة يكتبه في المجموعة. وهكذا قد يظهر على سبيل المثال خبر لقريب لي من خلال شخص آخر فأعرف مصيره”.
ويعتزم أبو حمادة إطلاق نداء لجمع تبرعات وأدوية من أجل إرسالها الى غزة، ويقول أيضاً: “نحاول أن نحصل على مقاطع مرئية من أي ناشط أو صديق داخل غزة تظهر وحشية القصف، وننشره على منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا الأمر يشعرنا أيضاً بإحباط، فماذا نستطيع أن نقدم لأم تعرف أن أولادها تحت الأنقاض ولا تستطيع انتشالهم؟ وماذا ينفع الغذاء والدواء لطفل فقد جميع ذويه؟”.
ورغم أن لا إحصاءات رسمية لعدد الفلسطينيين في ليبيا، يقدّر سلامة حجاجي الذي يقيم في ليبيا منذ سبعينيات القرن الماضي هذا العدد بنحو 100 ألف في أنحاء البلاد. ويصف، في حديثه لـ”العربي الجديد”، ظروف إقامة الفلسطينيين في ليبيا بأنها “الأفضل عربياً، فهم يتمتعون إلى حدّ بعيد بنفس الميزات التي يحظى بها الليبيون من إقامة وسفر وحق التملك والحصول مجاناً على تعليم ورعاية صحية”.
يضيف: “تنقلت للإقامة في أكثر من منطقة ليبية، ولدي أصدقاء في دول عربية أخرى، وأستطيع أن أقول إن ظروف إقامة الفلسطينيين في ليبيا من الأفضل، لكن أخبار أهلهم في غزة تغيب عنهم حالياً، إذ لا وسائل لمعرفة ماذا يجري في أحياء ومناطق في غزة والضفة الغربية الا من خلال التلفزيون”.
وعلى وقع الأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة، قرر مجلس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية منح الأرامل والمطلقات وذوي الاحتياجات الخاصة من الجالية الفلسطينية مساعدات إضافية تشمل المعاش الأساسي، والاستمرار في صرف المنح الشهرية للطلاب الفلسطينيين في الجامعات والمعاهد العليا الليبية، ما قوبل بإشادة فلسطينية واسعة.
وبعكس ما تفعله دائماً، اتفقت الحكومتان المتخاصمتان في كل من طرابلس وبنغازي على دعم الفلسطينيين. وأصدر رئيس الحكومة المؤقتة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد تعليمات إلى المؤسسات والوزارات بضرورة تفعيل القرار 49 الصادر عام 1990، والذي يقضي بمعاملة الفلسطينيين المقيمين في ليبيا معاملة الليبيين ومنحهم كل حقوق المواطنة.
ورغم تقديره لهذه المواقف يؤكد حجاجي أن أسراً فلسطينية كثيرة تكاد أن تكون ليبية “فزوج أختي ليبي وأبناؤه ليبيون وفلسطينيون في نفس الوقت”.
ومنذ إعلان دولة إسرائيل عام 1948 تطوّع ليبيون للحرب في فلسطين. وبعدما انتهت هذه الحرب استوطن بعضهم هناك وأسسوا عائلات، في حين بدأ توافد الفلسطينيين إلى ليبيا في ستينيات القرن الماضي، ومكثوا في مدن ومناطق عدة.
ورغم أن أنظمة الحكم في ليبيا تغيّرت من الملكي إلى الجمهوري إلى الجماهيري وصولاً إلى الوضع الحالي، استمر الدعم الرسمي للقضية الفلسطينية، لكنه شهد أحياناً بعض الاضطرابات بسبب المواقف السياسية لنظام معمر القذافي السابق التي اختلفت عن مواقف بعض الدول العربية.
ورغم الجدل الذي رافق لقاء وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين في روما في أغسطس/ آب الماضي، قبل أن يقيلها رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، يؤكد حجاجي أن رد الفعل الرسمي والشعبي الغاضب من العدوان الإسرائيلي على غزة زاد ثقة الفلسطينيين بموقف ليبيا.