الأناضول-
مع تصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا، واقتراب الشتاء، يشتد الاهتمام الأوروبي بغاز ليبيا، نظرا إلى الاحتياطات الهامة التي تمتلكها ووجود بنية تحتية مقبولة للتصدير إلى أوروبا عبر أنبوب “السيل الأخضر”.
لكن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا، وتواجد مرتزقة شركة فاغنر الروسية قرب آبار غاز في الشرق الليبي، يحولان دون التعويل كثيرا على البلاد في تخفيف أزمة الطاقة بالقارة العجوز.
** صادرات متواضعة
صادرات ليبيا من الغاز الطبيعي لا تتجاوز 5 مليارات متر مكعب سنويا، تصدر جميعها عبر أنبوب السيل الأخضر (غرين ستريم) إلى إيطاليا.
وهذه الكمية تساوي نحو 3.3 بالمئة من كمية الغاز الروسي المصدر إلى روسيا، ونحو 10 بالمئة من إجمالي الصادرات الجزائرية.
وعلى هذا الأساس، لا يمكن أن تلعب صادرات الغاز الليبي دورا جوهريا في تعويض الغاز الروسي، لكن من الممكن أن تساهم إلى جانب كبار المصدرين (الولايات المتحدة، والجزائر، وقطر، ونيجيريا) في تخفيف أزمة الطاقة على أوروبا وارتفاع أسعار الكهرباء.
فليبيا الدولة الوحيدة في إفريقيا، إلى جانب الجزائر، التي تملك أنبوبا لنقل الغاز إلى أوروبا، والذي يعني أسعارا أقل مقارنة بنقل الغاز المسال عبر السفن، ما يعطي لليبيا أفضلية من حيث السعر مقارنة بالولايات المتحدة ومصر ونيجيريا مثلا.
وتبلغ الطاقة القصوى لأنبوب “السيل الأخضر” 8 مليارات متر مكعب، ويجري التخطيط لرفعها إلى 11 مليار متر مكعب.
بينما لا تصدر ليبيا الغاز المسال عبر السفن، حيث يوجه كل الغاز المستخرج من المنطقة الشرقية للاستهلاك المحلي، بينما يصدر فقط الغاز الطبيعي المستخرج من المنطقة الغربية وخاصة من حقل الوفاء على الحدود مع الجزائر، والحقول البحرية قبالة السواحل الغربية، عبر أنبوب السيل الأخضر.
** الاستهلاك الداخلي يستنزف نصف الإنتاج
وبلغ إنتاج ليبيا من الغاز في 2021 نحو 12.4 مليار متر مكعب، بزيادة طفيفة عن 2020، عندما تم تسجيل 12.1 مليار متر مكعب، وهو العام الذي شهد وقف إطلاق النار بين الشرق والغرب، بعد الهجوم الذي شنته قوات الشرق ضد حكومة الوفاق بالعاصمة طرابلس في 2019.
ولا يمكن الخروج برقم ثابت لإنتاج وتصدير الغاز الليبي بالنظر إلى اضطراب الإنتاج بسبب عمليات الوقف المتكررة لحقول النفط والغاز، ما أثر سلبا حتى على تزويد مصانع إنتاج الكهرباء بالغاز.
فبحسب أحدث معطيات مؤسسة النفط الليبية، فإن الاستهلاك المحلي للغاز يبلغ مليارا و166 مليون قدم مكعب في يوم 21 سبتمبر الجاري فقط، نحو 81 بالمئة منه مخصص لشركة الكهرباء، والباقي موجه لمؤسسة النفط، ومصانع الإسمنت والحديد والصلب ومصانع صغيرة أخرى.
ورغم مساعي ليبيا لرفع الطاقة التصديرية إلى 4 مليارات قدم مكعب يوميا، عبر صيانة منشآت الغاز المتقادمة وتطوير الإنتاج، فإنها ما زالت بعيدة عن الوصول إلى هذا الهدف.
ومن دون مضاعفة الاستثمارات الأجنبية في قطاع استخراج الغاز، وقبلها تحقيق حد أدنى من الاستقرار السياسي والأمني، لا يمكن لليبيا أن تلعب دورا استراتيجيا في الأمن الطاقوي لأوروبا.
وإذا استمر تدهور الوضع السياسي والأمني على ما هو عليه الآن، وضعف حجم الاستثمارات، وعدم صيانة المنشآت الحالية، وارتفاع الطلب الداخلي على الغاز، فإن ليبيا مرشحة لتخسر مكانتها رابع أكبر مُصدر للغاز في إفريقيا، مع الاكتشافات التي ظهرت في موريتانيا وموزمبيق، واستقطابهما لكبرى شركات الطاقة في العالم.
فليبيا تحتل حاليا المرتبة الثامنة عربيا من حيث الإنتاج، ومكانتها إفريقيًا من حيث الاحتياطي الغازي في تراجع.
ففي بداية القرن الواحد والعشرين كانت ليبيا تحتل المرتبة الثالثة إفريقيا من حيث احتياطي الغاز الطبيعي بعد نيجيريا والجزائر، ومع الاكتشافات الجديدة للغاز في مصر ثم موزمبيق وأخيرا موريتانيا تدحرجت للمرتبة السادسة.
رغم أن وزير النفط الليبي محمد عون، أكد أن احتياطات بلاده من الغاز الطبيعي ارتفعت إلى أكثر من 80 تريليون قدم مكعب، بينما تشير التقديرات الدولية لانخفاضها إلى نحو 50 تريليونا، بعدما كانت تقترب من 55 ترليون قدم مكعب.
ـ فاغنر و”غاز أوروبا“
يثير تواجد مرتزقة فاغنر في ليبيا، قلق الأوروبيين من قدرتهم على تقويض أي مساعٍ لزيادة إمدادات الغاز من هذا البلد العربي، بل إن هناك شكوك حتى في إمكانية إيفاء ليبيا بالكميات المتفق عليها.
وإذا أسقطنا خريطة تواجد المرتزقة الروس في ليبيا على خريطة انتشار حقول الغاز، نجد أن فاغنر لا تسيطر على جميع حقول الغاز الليبية الموجهة للتصدير نحو إيطاليا.
فحقلا غاز البوري وبحر السلام، الواقعان في البحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل مدينة صبراتة (70 كلم غرب طرابلس)، تحت سيطرة ونفوذ حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، ولا يخضعان لنفوذ فاغنر.
وينتج حقل البوري سنويا 6 مليارات قدم مكعّب من الغاز الطبيعي، ويصل الاحتياطي فيه إلى 3.5 تريليونات قدم مكعب.
أما حقل الوفاء الواقع جنوب مدينة غدامس (500 كلم جنوب غرب طرابلس)، والذي يعتبر الأكبر في الجهة الغربية، ومنه يتم نقل الكمية الأكبر من صادرات الغاز نحو إيطاليا، فيقع ضمن نطاق نفوذ قوات خليفة حفتر المتحالفة مع فاغنر.
ويتمركز مرتزقة فاغنر على بعد مئات الكيلومترات عن حقل الوفاء، وبالضبط في قاعدة براك الشاطئ (700 كلم جنوب طرابلس)، وهي أقرب نقطة من الحقل الغازي القريب من الحدود الجزائرية.
أما حقل الفارغ، أكبر حقول الغاز في المنطقة الشرقية، والواقع إلى الجنوب من مدينة أجدابيا وواحة جالو (شرق)، والذي ينتج نحو 250 مليون قدم مكعب من الغاز، فهو الأقرب إلى مناطق تمركز مرتزقة فاغنر في محافظة الجفرة (وسط)، لكن إنتاجه موجه بالكامل إلى الاستهلاك الداخلي.
فأكبر حقلين للغاز يقعان ضمن نطاق نفوذ فاغنر وحلفائها المحليين، بينما الحقول البحرية بعيدة عن ضغوط المرتزقة الروس.
وعندما أغلق موالون لحفتر، حقولا وموانئ نفطية بينها حقل الوفاء، نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري، تضررت محطات إنتاج الكهرباء خاصة في المنطقة الشرقية بسبب نقص الغاز، وبدأ الحديث عن اقتطاع كميات من الغاز المصدر إلى إيطاليا وتوجيهه للاستهلاك المحلي.
ولم تستبعد وسائل إعلام غربية أن يكون لفاغنر دور خفي في غلق النفط الليبي، لمضاعفة الضغوط الروسية على أوروبا، لذلك لم تراهن الدول الأوروبية وخاصة إيطاليا على الغاز الليبي كثيرا واتجهت إلى أسواق أخرى على غرار الجزائر وأذربيجان.