العربي الجديد-
وسط أحاديث متزايدة عن مصير المبادرة السياسية التي أعلنتها القائمة بأعمال البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري، مع قرب انتهاء مدة رئاستها، كشف مسؤول أممي في البعثة عن تفاصيل جديدة حول المبادرة، ما سلّط الضوء على دور البعثة ووضعها خلال الأسابيع المقبلة.
وتحدث مسؤول الملف السياسي والعمل الميداني في البعثة الأممية عمر المخفي، عن ستة عناصر قال إنها تمثل جوهرة مبادرة خوري الجديدة، موضحاً أنها تتكون من: لجنة استشارية، لجنة حوار شامل، حكومة جديدة، إصلاحات اقتصادية، توحيد المؤسسة الأمنية، وعملية المصالحة الوطنية. وأكد المخفي، خلال حلقة نقاش عقدها مساء أمس الأحد مع عدد من الشخصيات الاجتماعية والمدنية، أن اللجنة الاستشارية لن يتجاوز عدد أعضائها ثلاثين عضواً، وأن من مهامها تحديد مصير المجلس الرئاسي، وكذلك تحديد وضع الحكومة بإنشاء واحدة جديدة أو توحيد الحكومتين الحاليتين.
كما أكد المخفي أن هذه اللجنة الاستشارية لن تكون بديلاً عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بل ستعمل على تقديم مقترحات حول القوانين الانتخابية وتحديد مصير المجلس الرئاسي، وكذلك الحكومة، من خلال جملة من المعايير والأطر والضمانات.
ويُعدّ هذا التصريح الأول بعد أسابيع من غياب خوري، التي أعلنت منتصف ديسمبر الماضي مبادرة سياسية لتحريك الجمود الليبي، لم توضح من معالمها، إلا أنها تتكون من لجنة فنية تتألف من خبراء ليبيين، لوضع خيارات لمعالجة القوانين الانتخابية التي أقرها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، للوصول إلى الانتخابات، وكذلك خيارات لتشكيل حكومة جديدة.
وجاء هذا التصريح في الوقت الذي تواجه فيه خوري نفاذ مدة رئاستها لأعمال البعثة بالنيابة بعد استقالة المبعوث السابق عبد الله باتيلي، إذ قرر مجلس الأمن في أكتوبر الماضي تمديد تفويض خوري بأعمال البعثة بالنيابة ثلاثة أشهر تنتهي في نهاية يناير الحالي. وفي الوقت الذي تطالب فيه روسيا والصين بضرورة تعيين ممثل أممي لرئاسة البعثة، رشح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الدبلوماسية الغانية حنا سروا تيتيه، ممثلةً خاصةً له في ليبيا ورئيسة للبعثة الأممية، ليتم البت في اقتراحه خلال جلسة لمجلس الأمن منتصف الشهر الحالي.
وتيته دبلوماسية غانية تولت العديد من المناصب الحكومية البارزة في بلادها، قبل أن يجري تكليفها بعدد من المهام الأممية بين 2022 و2024، آخرها مبعوثة خاصة لغوتيريس في القرن الأفريقي.
ولم تستقبل الأطراف الليبية إعلان خوري مبادرتها بالترحيب، ففيما لم يصدر عن المجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي أي رد فعل، ذهبت الحكومتان ومجلس النواب في مسارات أخرى في رفض ضمني للمبادرة، إذ دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إلى إخراج مسودة الدستور التي أنجزتها لجنة صياغة الدستور منذ العام 2017، وطرحه للاستفتاء عليه لإنهاء المراحل الانتقالية أساساً للحل السياسي
ومن جانبه، أكد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، رفضه لما وصفها بـ”التدخلات الجديدة” للبعثة الأممية، من خلال سياسة استقطاب النخب الليبية “بشكل يسحب عنهم وطنيتهم واستقلالهم، مقابل وعود زائفة لتقلد مناصب رفيعة في الدولة”. وأكد حماد، خلال كلمة له أمام مجلس النواب، الأسبوع الماضي، عن اتفاقه مع “رؤية مجلسي النواب والدولة للخروج بحلٍّ للأزمة الليبية من خلال حوار ليبي- ليبي، ورفض أي تدخلات خارجية ودفاعهما المستمر على السيادة الليبية”. وقال: “لا نريد تكرار التجارب السابقة التي نتج عنها تقلد أشخاص أمعنوا في إفساد الشأن العام وإهدار أموال الليبيين”، في إشارة للقاء عدد من أعضاء مجلسي النواب والدولة في ابوزنيفة المغربية، منتصف الشهر الماضي، وما نتج عن هذا اللقاء من تشكيل لجان مشتركة بين المجلسين لوضع القوانين الانتخابية موضع التنفيذ.
أما مجلس النواب، فقد أعلن تبنيه مشروع المصالحة الوطنية طريقاً للحل السياسي، وأصدر لذلك قانوناً للمصالحة الوطنية، رغم معارضة المجلس الرئاسي، الذي اتهم مجلس النواب بالتدخل في اختصاصه بملف المصالحة الوطنية. وفي الوقت ذاته، تبنى حفتر للمصالحة الوطنية أيضاً.
ويصف أستاذ العلاقات الدولية رمضان النفاتي وضع البعثة الأممية بأنه “يعيش عتمة قاتمة”، بعد أن عاد للمناكفات والخلافات بين الأقطاب الدولية، وتحديداً موسكو من جهة، والعواصم الأوروبية وواشنطن من جهة أخرى، مذكراً بتاريخ هذه الخلافات، وأنها اضطرت مبعوثين سابقين إلى الاستقالة بشكل فجائي، مثل غسان سلامة في مارس 2020، ويان كوبيتش في نوفمبر 2021، وأخيراً عبد الله باتيلي في إبريل من العام الماضي، وما نتج عنها من فراغ في رئاسة البعثة لعدة أشهر، كانت تشغله شخصيات مقربة من السياسات الأميركية والأوروبية.
ووفقاً لقراءته، يرى النفاتي في حديثه مع “العربي الجديد”، أن رئاسة البعثة الأممية في ليبيا “بعد أن باتت القائد للعملية السياسية في ليبيا، صارت محل خلافات دولية عميقة، كانعكاس للخلافات في ملفات أخرى مرتبطة بالملف الليبي”، مضيفاً “الآن التغيرات الحاسمة في سورية أضافت لما يحدث في أوكرانيا منذ فترة طويلة تعقيداً جديداً في الأوضاع الليبية، ولهذا يبدو أن الاتفاق على مبعوث جديد هذه المرة سيكون صعباً، وسيجري تمديد تكليف خوري لمدة جديدة”.
ويذكّر النفاتي بأن الخلافات في مجلس الأمن حول الملف الليبي “دوماً ما كانت واشنطن تستثمرها لصالحها، ففي كل مرة تدفع بدبلوماسي يجري في ركاب سياساتها لتولي منصب نائب رئيس البعثة، ليتم تكليفه برئاسة البعثة بالإنابة، كما حدث مع ستيفاني ويليامز التي تولت مهام غسان سلامة، وكما حدث مع خوري الآن عندما تولت مهام باتيلي، فكلاهما جرى تكليفه بمنصب النائب قبيل استقالة المبعوثين بعدة أشهر فقط”
واستناداً إلى هذه القراءة، يرى النفاتي أن مبادرة خوري “جاهزة، وتنتظر احتدام الخلاف في مجلس الأمن الأسبوع المقبل، ليمدد لها أشهراً إضافية، أما تصريحات الأمس بالمزيد من التفاصيل حول عناصر المبادرة الستة فهو أمر مقصود، ويحمل رسائل عديدة، منها أن الجهات التي تدعم خوري لديها ما يضمن استمرار بقائها في منصبها، ورسالة أخرى للأطراف الليبية أن عليها ألا تراهن على الخلافات الدولية، وألا تمضي بعيداً في مشاريعها الموازية لمبادرتها”.
ويلفت النفاتي إلى أن غوتيريس سبق أن رشح الدبلوماسية الغانية خلفاً لكوبتيش، إلا أن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين عارضوا تكليفها، موضحاً أن سياسات موسكو تدعم تولي شخصيات أفريقية منصب رئيس البعثة، لكن الأوروبيين وواشنطن دوماً يعرقلون ذلك، كما حدث مع ترشيح الجزائري رمطان العمامرة سابقاً، وحتى السنغالي باتيلي، الذي لم تعلن أوروبا وأميركا أي دعم له.
وفي الوقت الذي يعبّر فيه النفاتي عن اعتقاده باستمرار خوري في منصبها، وأن استئناف مبادرتها سيبدأ بعد وضوح السياسات الأميركية بوصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى منصبه نهاية الشهر الجاري، يرى الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية حسن عبد المولي، في المقابل، أن خوري كانت تطمح للتمديد عندما أعلنت عن مبادرتها في الشهر ما قبل الأخير من تمديد تكليفها
ويلفت عبد المولى، خلال حديثه مع “العربي الجديد”، إلى أن خوري ظلت تعقد اللقاءات الداخلية والخارجية، وتكرر التصريحات على مدى قرابة العام من عملها، من دون أن تتمكن من تصور خطة للحل السياسي، مضيفاً “لم تنتعش وتخرج من حالة الموت إلا باندلاع أزمة المصرف المركزي بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب في أغسطس الماضي، ونجاح وساطتها هو ما دفعها للواجهة وإعلان المبادرة”.
ولا يرى عبد المولى أي مستقبل لمبادرة خوري “حتى إذا تم التمديد لها، بانسداد أي تقارب بين أعضاء مجلس الأمن لتعيين مبعوث جديد، فمبادرتها عنوانها استقرار دائم، وهو ما تخبر عنه مساراتها بالعمل على إصلاح القوانين الانتخابية والمصالحة الوطنية والحوار الشامل، كما أن تفاصيلها غير مفهومة، فعلى ماذا سيعمل مسار الحوار الشامل بوجود مسار لحوار المصالحة الوطنية، وما هي مهام الحوار الشامل في وجود لجنة استشارية؟”، مشيراً إلى أن “الأخيرة ستدخل في صدام مع مجلسي النواب والدولة، ومع المجلس الرئاسي والحكومتين إذا قررت إزاحتهما، أمّا إذا قررت بقاءهما، فما الجديد؟”.
وينتهي عبد المولى إلى أن “مصير البعثة وأعمالها، والملف الليبي برمته، يعيش غموضاً وارتباكاً، وفي أحسن الأحوال جموداً، في انتظار تبدد غيوم مشكلات كبرى، ليس أقلها الوضع في سورية الذي بات مرتبطاً بشكل كبير بليبيا، من خلال الفاعلين الرئيسيين في كلا البلدين، وهما روسيا وتركيا، والمواقف الغربية منهما”.