عيد الفطر في غزة… محاولة للفرح رغم عدوان الاحتلال

العربي الجديد-
يحاول الفلسطينيون في قطاع غزة الاحتفال بعيد الفطر بقليل من الفرح، بعد أكثر من 10 أيام من استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع المحاصر، وذلك من أجل الأطفال في ظلّ استمرار النزوح والفقدان والجوع. وعلى الرغم من استمرار المآسي في قطاع غزة جراء استئناف الحرب عليه، يحاول الأهالي الاستعداد لعيد الفطر بحثاً عن أية مظاهر للفرح بين كومة الأحزان المتراكمة على امتداد 16 شهراً، عاشوا خلالها الفقد والتشرد والجوع. ويعكس وجود مظاهر الفرح إصراراً كبيراً من الأهالي على الحياة، في محاولة لإخراج أطفالهم من أجواء الحرب، وإعطاء العيد مساحته باعتباره مناسبة مهمة توجب على المسلمين الفرح بالإفطار بعد صيام شهر رمضان.
العام الماضي، استقبلت آية هاشم عيد الفطر في الخيمة حيث نزحت إلى جنوب القطاع. يومها ارتدت وأطفالها ملابس عادية، وجلست لدقائق عدة في الخيمة التي لم يطرق بابها أخوتها بسبب وجودهم في مدينة غزة. بعدها بدّلوا ملابسهم وأكملوا حياتهم في البحث عن المياه والطعام. أكثر ما كان يفرحها خلال عيد الفطر هو استقبال أشقائها في بيتها. وتقول لـ “العربي الجديد”، خلال وجودها وأطفالها الثلاثة وشقيقتها في سوق عمر المختار، أشهر أسواق مدينة غزة: “لا يوجد استعدادات ولا فرح أو بهجة، لأننا ننتظر انتهاء الحرب. كل همنا هو القصف المستمر وانتظار أن تبرم هدنة جديدة. أما الفرح، فهو غير موجود”.
يتوافد الأهالي بكثرة إلى السوق، وتنتشر محال وبسطات بيع الحلوى والملابس والأحذية للأطفال والكبار على امتداد السوق. وتمتلئ المحال بأمهات يتجولن للبحث عن ملابس لعيد الفطر، وأطفال يجربون بعض الملابس. يحاول الباعة المناداة على الزبائن لجذبهم، فيما يبث البعض الأغنيات الخاصة بالعيد. إلا أن الطائرات الإسرائيلية من دون طيار التي تحلق على علو منخفض تذكرهم بأجواء الحرب، التي يأملون أن تتوقف مع حلول العيد.
عند بوابة أحد المحال التجارية، توقف الطفل مازن أبو عاصي لثوانٍ أمام قطع ملابس معلقة على واجهة المحال، وقد بدا أنها أعجبته. لكن ما إن عرف سعر الملابس، حتى أكمل طريقه برفقة أمه. ويعد ارتفاع الأسعار مشكلة كبيرة تواجه الأهالي. في هذا السياق، يقول لـ “العربي الجديد”: “أعجبني ذلك الطقم وأردت شراءه لكن سعره مرتفع. لدي خمسة أشقاء”. يضيف: “نستقبل عيد الفطر بحزن، لكن نحاول خلق أجواء مختلفة بأنفسنا”. كانت والدته أمل أبو عاصي تتأمل امتلاء السوق المركزي للملابس بالناس، وترى في هذا المشهد رسالة تعكس صمود أهل غزة رغم الألم والجراح، وتأمل أن تنتهي الحرب وتعود الحياة إلى طبيعتها في غزة من دون قصف وموت.
كانت الحاجة أم محمد مقداد تسير في السوق ترافقها ابنتاها، وقد قدّمت للحصول على قسيمة شرائية لملابس عيد الفطر لأطفال ابنتها الموجودة في جنوب القطاع ولا تستطيع القدوم إلى مدينة غزة. تقول لـ “العربي الجديد”: “نحن في أرض الرباط ولا بد أن نسلّم للقدر. جئت إلى السوق رغم الخوف من القصف. ولولا أن الأمر ضروري لما قدمت إلى هنا، لكنني فوجئت بحجم الناس الكبير، وهو ما أشعرني بنوع من الارتياح وربما الفرح”.
وترى في امتلاء المحال والشوارع بالأهالي الذين جاؤوا لشراء ملابس عيد الفطر رسالة “بأننا شعب لا تهزه الريح، مرابط وصابر”. تضيف: “هذه حياة يجب أن تستمر. فمن لديه أطفال سيسعى لإدخال الفرحة إلى قلوبهم. وأكبر فرحة بالنسبة للصغار هي شراء ملابس جديدة”. تبكي حين تتذكر الأعياد السابقة. تتابع وهي تحاول مسح دموعها والتماسك: “فقدت أبناء شقيق زوجي وشقيقتي وأولادها. في وقت كهذا، أتذكر كيف كنا نزور بعضنا البعض أيام العيد. كما فقدت منزلي الذي اشتريته قبل عام واحد فقط من الحرب، وهو مكون من ثلاثة طوابق. كان عبارة عن جنى العمر ولم يبق منه إلا نصف غرفة في الطابق الأرضي”.
على درجات أحد المحال التجارية، تجلس الطفلة أسماء رجب هي وأشقاؤها، يرتدون ملابس بالية قديمة، فيما كانت والدتهم تحصل على ملابس جديدة لكل طفل من خلال قسيمة شرائية ومبادرة تعنى بالأيتام والمفقودين، وزعت كسوة العيد على 270 طفلاً. يعلو الفرح ملامح الطفلة وهي تقول لـ “العربي الجديد”: “سعيدة لأنني سأرتدي ملابس جديدة وأستبدل هذه الملابس القديمة”.
أما محمود الخليلي، فكان يصطحب طفلتيه اللتين تحملان ظرفين فيهما ملابس العيد. يقول لـ “العربي الجديد”: “نأمل أن تتحقق الهدنة قبل عيد الفطر (وهو أمر لم يتحقّق). أما في ما يتعلق بالاستعداد لاستقبال العيد، فالأمر صعب جداً لأننا نعيش ظروف حرب. جئت إلى هنا لأن بناتي طلبن مني شراء الملابس. ورغم الألم، أحببت إدخال الفرحة إلى قلوبهن. هؤلاء أطفال ولا ذنب لهم بما يجري”.
اعتاد أهالي غزة إعداد كعك عيد الفطر كونه أحد أهم العادات والتقاليد المتوارثة في القطاع. ومع انعدام غاز الطهي، والخوف المستمر، يجد الأهالي صعوبة كبيرة في إعداد كعك العيد، الأمر الذي دفع بأصحاب بعض المحال إلى صنعه وبيعه في الأسواق بعد وضعه في علب أو أطباق مغلفة لجذب انتباه الأهالي لشرائه.
من على بسطة لبيع الكعك، اشترت أماني الخور علبة كعك. كانت تحاول التظاهر بالفرح رغم أنها تعيش الحزن، فهذه السيدة فقدت زوجها وأطفالها الخمسة في قصف إسرائيلي في 28 أكتوبر 2023. عن استقبالها العيد، تقول الخور لـ “العربي الجديد”: “يمر العيد علي بحزن كبير ليس بسبب استمرار الحرب فقط، بل لأنني فقدت زوجي وجميع أطفالي. لمن سنفرح؟ اشتريت كعك العيد لتقديمه للضيوف وقد اعتدنا على ذلك. ربما نكذب على أنفسنا بإظهار الفرح”.
تلتفت للأطفال الذين يرافقون أمهاتهم في السوق، فتتذكر أولادها. تقول: “سابقاً، كنت أستقبله بفرح كبير. أتذكر كيف كان أولادي يطلبون مني شراء النظارات الشمسية والملابس. كان ابني مصباح (12 عاماً) يلح عليّ للنزول إلى السوق وشراء الملابس. فنذهب جميعاً. كان ينام إلى جانب ملابسه الجديدة ليلة العيد”، قبل أن تملأ الدموع عينيها. بينما تعج الأسواق بالأهالي، تستمر موجات النزوح في شمال القطاع وجنوبه. وفي أماكن النزوح، تنعدم مظاهر الفرح وتخلو من أية استعدادات لاستقبال العيد الذي يمر كأي يوم عادي، وهذا ما تشعر به صابرين سلامة التي تعيش في خيمة مجاورة لمكب للنفايات واقع قرب ملعب اليرموك بمدينة غزة.
كل ما يهم سلامة حالياً هو النجاة بطفلها الصغير الذي لم يتجاوز عمره العامين وطفلتها (6 أعوام)، بعدما فقدت في بداية الحرب زوجها وطفلها مالك (8 سنوات)، حالها حال الكثير من النازحين والمشردين الذين تختفي ملامح الفرح في أماكن نزوحهم. بالكاد تستطيع هذه السيدة توفير الطعام والمياه لها ولطفليها.
بكلمات يملؤها الوجع وملامح تحمل هماً ثقيلاً، تقول لـ “العربي الجديد”: “أنظر إلى الناس يملؤون الشوارع في كل مكان. أي عيد سيأتي ونحن بهذا الحال وهذا الوضع المعيشي الصعب؟ حالي كحال زوجات الشهداء. لا مصدر دخل لإدخال الفرحة إلى قلوب طفليّ وشراء ملابس العيد. كما أن العيش في الخيمة يجعلك بعيداً عن أهلك وعائلتك، بالتالي تختفي مظاهر الفرح بقدوم العيد هنا”.
أما الطفل سامي (12 عاماً)، والذي كان يحمل دلواً وجد صعوبة في تعبئته بالمياه، فقد كان يسير حافي القدمين بعدما نزحت عائلته من شمال القطاع، ويرتدي ملابس ممزقة. بحسرة، يقول لـ “العربي الجديد”: “أتمنى ارتداء ملابس جديدة، وخلع هذه الملابس، لكن أهلي فقراء جداً وما من عمل. هذه الحرب جعلتنا ننسى العيد، وأشغلتنا بهمومنا. يتوجب عليّ يومياً توفير المياه للعائلة، أو البحث عن حطب ونايلون وأوراق وكرتون. العالم لا يشعر بمأساة أطفال غزة كي يتحرك”.
تجدر الإشارة إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي استأنف حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة فجر الثلاثاء 18 مارس الجاري، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الهشّ الذي أُبرم بوساطة قطرية ومصرية وأميركية ودخل حيّز التنفيذ في 19 يناير الماضي.