العربي الجديد-
عادت إلى الواجهة قضية استثمار حكومة الوحدة الوطنية الليبية في حقول غاز غرب البلاد، ولا سيما حقل غاز الحمادة، بالشراكة مع شركات أجنبية، وذلك بعد عدة أشهر من انحسار النقاش بشأنها. وفي هذا الصدد، وجهت لجنة الطاقة والموارد الطبيعية النيابية خطاباً إلى رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قداره، الأربعاء (30 أكتوبر 2024م)، تطالب فيه بوقف التفاوض بشأن حقل الحمادة الحمراء NC7 الواقع على تخوم مدينة غدامس قريباً من الحدود مع الجزائر، مشددة على ضرورة “عدم التفريط في الثروات السيادية للدولة”.
واعتبرت اللجنة في خطابها أن الظروف الأمنية والسياسية الحالية في البلاد تفرض وضع تحد كبير، لا يسمح للبلاد بموقع مناسب للتفاوض أمام الشركاء الأجانب، ما يجعل موارد البلاد هدفاً للابتزاز والمساومة السياسية، مشيرة إلى قرارات مجلس النواب السابقة التي تمنع “المساس بالثروات الوطنية حتى يجري انتخاب حكومة جديدة من قبل الشعب”، بالإضافة لقرار مجلس النواب بشأن سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، ما يحتم ضرورة “إعادة النظر في أي اتفاقيات أو مفاوضات جارية” بشأن حقل الحمادة.
وأكدت اللجنة أن مؤسسة النفط هي الجهة الوحيدة المخولة بتطوير حقل الحمادة، وأن “أي تجاوز لهذا الأمر قد يعرّض المؤسسة للمساءلة القانونية”.
وجاء خطاب لجنة الطاقة على خلفية تسريبات تتعلق باستئناف حكومة الوحدة الوطنية ومؤسسة النفط التفاوض مع شركات أجنبية بشأن الاستثمار في حقل الحمادة للغاز، على هامش الدورة الثلاثين لمنتدى الأعمال الليبي الإيطالي، الذي انعقد يوم الثلاثاء الماضي، بمشاركة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وبدء ممثلين عن مؤسسة النفط وشركات أجنبية، منها شركات إيطالية، مناقشة مسودة اتفاق لبدء العمل على تطوير جزء من حقل الحمادة.
وثارت قضية حقل الحمادة خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، عندما سربت تقارير إعلامية ودولية أنباء عن وقوف حكومة الوحدة الوطنية وراء تفاوض مع شركات نفطية كبرى، منها إيني الإيطالية، وتوتال الفرنسية، وأدنوك الإماراتية، وشركة الطاقة التركية، للتعاقد على تطوير الحقل، ويتضمن التفاوض رفع حكومة الوحدة الوطنية امتيازات هذه الشركات إلى 40% من مجمل إنتاج الحقل، ما دفع أطرافاً عديدة منها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى التدخل للمطالبة بوقف التفاوض، ورفض عقد أي اتفاق بشأن الحقل.
ويعد الحقل الذي تعود ملكيته لشركة الخليج العربي، التابعة لمؤسسة النفط الليبية، من أهم حقول الغاز في البلاد، فعلى الرغم من قدم اكتشافه، فإن الكشوف الحديثة بينت أنه يحتوي على احتياطات ضخمة من غاز ليبيا، قد تصل إلى تريليوني قدم مكعبة. وخلال الأشهر الماضية، تزامنت العديد من الأحداث المرتبطة بإصرار حكومة الوحدة الوطنية على الاستمرار في الوقوف وراء التفاوض حول الحقل مع تلك الشركات الأجنبية، فقد ربط مراقبون بين مسار التفاوض وتعقيداته التي تدور في الكواليس وبين قرار هيئة الرقابة الإدارية في طرابلس، المقرّبة من الحكومة، في ديسمبر الماضي، بوقف وزير النفط والغاز محمد عون، الذي عارض بشدّة مشروع تطوير حقل الحمادة.
كما ربط مراقبون بين تقدّم في مسار المفاوضات حول الحقل، وإعلان فصائل تابعة لحفتر، التحرك باتجاه الحدود الليبية مع الجزائر، مطلع أغسطس المنصرم، وما قابله من إعلان حكومة الوحدة الوطنية من نفير عام، والاستعداد لمواجهة أي تحرك من جانب حفتر، إذ ذكرت العديد من التقارير أن قوات حفتر كانت ترغب في السيطرة على مدينة غدامس، التي يقع حقل الحمادة داخل حدودها الإدارية، في خطوة لإفشال مفاوضات تطوير الحقل.
وفيما اتهم مجلس النواب، في بيان له، في ديسمبر الماضي، الحكومة في طرابلس بالسعي لاستثمار الاتفاق على تطوير الحقل لأهداف سياسية، وجّه النائب العام خطاباً إلى مؤسسة النفط لوقف التفاوض حول اتفاق تطوير الحقل.
وفي ردّها على قرار النائب العام، أشارت مؤسسة النفط إلى عدم قدرتها على تطوير الحقل بالتمويل الذاتي، وأن الاستثمار في تطويره يعد خياراً أمثل. فيما ردّ مجلس النواب في المقابل، بتخصيص مبالغ خاصة بتطوير الحقل ضمن الموازنة العامة التي أقرّتها لصالح حكومة مجلس النواب، مطلع يوليو الفائت. وترتبط الشركات الدولية الأربع بمجالات الطاقة في ليبيا، إذ تدير إيني الإيطالية استثماراً واسعاً في حقول غاز مناطق غرب البلاد، فيما تستثمر توتال الفرنسية في عقود طويلة الأجل مع مؤسسة النفط في عدة حقول.
أما الإمارات، فقد تعاقدت مع مؤسسة النفط على الاستثمار في ميناء رأس الانوف، الواسط ضمن سلسلة موانئ تطوير النفط وسط وشمال البلاد، كما وقعت تركيا عقوداً مهمة في مجال الغاز، لا سيما المتعلقة بالاستثمار في المياه الاقتصادية التي تربط ليبيا بتركيا، في عمق البحر المتوسط. وثارت العديد من الخلافات مع الجانبين المصري واليوناني قبل سنوات حول تلك الاتفاقات التركية الليبية.