* كتب/ عبدالعزيز عبدالسلام الغناي،
أخيرا صدرت عن المفوضية العليا للانتخابات القوائم النهائية لانتخابات النواب عن مدينة مصراتة.
مصراتة التي تمتلك 8 مقاعد، 7 منها للرجال ومقعد وحيد للنساء، يتنافس على مقاعد الرجال السبعة 169 مترشحا، بمعنى أن نسبة الوصول للإجمالي العام لعدد المترشحين لن يتجاوز 5% -إذا صمد عدد المترشحين- ولعل العدد للسيدات كذلك ليس ببعيد عن نسبة الوصول لمقاعد الرجال، إذ تتنافس 17 سيدة على مقعد وحيد ستظفر به إحداهن.
بين صقور فبراير ورجال النظام السابق، ووجوه إعلامية ووجاهات أسرية وقبلية، بين نواب يحاولون إعادة الكَرَّة وشبان عازمون على المشاركة ونيل فرصهم، سوف لن تكون هذه الانتخابات قطعا كسابقاتها، بين من يجهد في الميادين يعقد الاجتماعات ويحضر المحافل والمنتديات، وبين واثق يرى أنه لا حاجة لكل هذا الهراء، وأن رصيده الشعبي باقٍ ويتمدد كل يوم، سيتشكل المشهد القادم، وإن شاب إجراء هذه الانتخابات بعض الشكوك لكن القوائم صدرت على أقل تقدير.
المواطنون في مصراتة شاركوا في الانتخابات النيابية عام 2012 بِنَهَمٍ كبير واختاروا بخلاف الأحزاب شخصيات الظهور الثوري الإعلامي قطعا دون أدنى مواربة، ورغم أن نسبة المشاركة انخفضت في انتخابات النواب عام 2014 إلا أنه قد كانت لفبراير هيبتها مجددا، إضافة لظهور القبيلة وتقاسم رجال الأعمال وتيارات ايدولوجية كعكة الانتخابات، فخلُصت إلى ما خلصَت إليه من قائمة المنتصرين والقريبين من النصر في مراكز متراجعة قليلا.
الانتخابات البلدية الأخيرة في مصراتة عكست مؤشرات خطيرة، هي السلبية إن أردنا المجاملة، وكفر الناخبين بالديمقراطية وقناعتهم بفشلها إن أردنا أن نجلد الذات، فالمشاركة كانت في حدود الـ ثلاثينيات في المئة من عدد المسجلين، ومن جديد تصدرت قائمة على أخرى -وإن كان بشق الأنفس- وجاء خلفها التيار المدني والشباب والتكنوقراط وغيرها إلى آخر الترتيب.
بالنظر إلى الأسماء لا يمكن الحسم إلا لشخصيتين، قد تمثل إحداهما روح فبراير والتي من المتوقع أن تحظى بكامل الدعم من بعض قيادات المدينة وشرائحها الاجتماعية المحسوبة على تيار معين بطبيعة الحال، وآخر من رجال الأعمال والمحبوب في منطقته والذي عمل على تصفير المشاكل والالتفاف حول المناطقية والفئات والقبيلة حزمة واحدة، والتي ستجعل منه ماردا قد يكتسح، بغض النظر عن ما سبق فلا مؤشرات تذكر، “وهذا حصانك وهذي السدرة” فالنواب الحاليون سواء من مجلس الدولة أو مجلس النواب يحاولون إعادة الكرة من جديد، مع أنني أرى تراجعا ملحوظا في شعبيتهم، وأن العودة لقبة المجلس لن تكون بالسهولة نفسها مقارنة بالمرة الأولى، ورغم أنني متأكد من قناعتهم الشخصية بهذا الأمر إلا أنهم أمام مفترق طرق فكري خطير، بين الامتناع وعدم المشاركة، أو المشاركة وانتظار مفاجأة من المستقبل ترفع أسهمهم ولو كان موقفا معينا أو تصريحا متلفزا يداعب مشاعر الناخبين، وإن لم يحدث ما سبق، فل تكون المشاركة إلا ذر رماد في العيون ومشاركة لغرض المشاركة فقط.
أغلبية المشهورين على مستوى الميديا بأنواعها اتفقوا على عدم إظهار الجدية في العمل، والرغبة في الوصول إلى القائمة الذهبية التي ستصل، لكي يرفعوا الحرج عن أنفسهم مستقبلا في حال فشلهم -وهذا وارد وبقوة- إنهم لم يعملوا من الأساس أو اعتمدوا على شعبيتهم في الميديا، لكن الجدد على هذا الحقل لا يمتلكون ذلك الرصيد الشعبي الذي أعطاهم شهرةً في المدينة، لذا فهم يعملون باجتهاد وهم قادرون على كسب المعركة إن تحركوا بخلفية اجتماعية علمية وموضوعية، وركزوا على كل صوت وحددوا الرقم الذهبي الذي سيوصلهم لقائمة الأوائل.
الإشكال الحقيقي أنه لا صندوق ثابت ولا خزان واضح، ولا أرضية صلبة لكل مترشح، فعلى مستوى القبائل يوجد مترشح وآخرون، وهذا ذاته على مستوى المناطق والتوزيع الجغرافي في المدينة، والخطورة هي في المترشحين من التيارات، حيث لا تحكّم واضح بتوجيه الناخبين للحصول على أكثر من مترشح، فهذه اللعبة تحتاج نوابغ في سيكولوجيا الجماهير، وهذا غير متوفر مع شديد الأسف في هذه المدينة أو لدى هذه التيارات، توزيع الأصوات بين أكثر من مترشح لكل طيف سياسي أو فكري قد يفقد المترشحين إمكانية الوصول، وصب التركيز على شخصية واحدة فقط قد يضيع فرص الآخرين، وهكذا ستحصل مفاجآت وسيبرز آخرون لم يكن من المتوقع وصولهم.
بلا شك فمن بدأ المشوار من الصفر ستكون الأمور أصعب عليه ممن امتلك رصيدا شعبيا، وخسارة من يمتلك الرصيد الشعبي والظهور الإعلامي أثقل من خسارة المغمورين، لكن الجرأة قد تكون مقنعة أحيانا وقد تكون قفزةً في الهواء في أحيان أخرى، فمن لا يمتلك القدرة على الإقناع من الصعب أن يمر، إلا إن كان يتقدم بترشحه لغاية في نفسه لا يمكن تفسيرها بسهولة، ومع أنه لا شيء مستحيل فالعمل والحظ والتحالفات ومعرفة من أين تؤكل الكتف أوصلت هتلر منزوع الجنسية إلى رئاسة ألمانيا عبر الانتخابات والبرلمان تحديداً، ولكن حتى الآن ما أراه هو تسرع وفوضى ومحاولات يائسة لا يرافقها عمل ولا اجتهاد ولا دراية بكيفية إقناع شعبنا الكريم بالتصويت أساسا وكيفية إقناعه بأن يكون هذا الصوت للمترشح نفسه، متمنيا التوفيق للجميع.
لابد أن ندرس الماضي حتى نعمل للمستقبل وأنصح الجميع بالعمل باجتهاد فلكل زمان دولة ورجال، وإمكانية اللعب على الفكر أو الفئات أو القبلية أو المناطقية سلاح ذو حدين، قد يثمر وقد يُهلك فركزوا في العمل وكونوا صادقين يوفقكم الله ويدعمكم الناس..