اخبارالرئيسيةعيون

عقود نجل حفتر والعرجاني… صفقات تترجم التحالف السياسي

العربي الجديد-

سلسلة عقود جديدة أبرمها بلقاسم حفتر، مدير صندوق التنمية وإعادة الإعمار التابع لسلطة حفتر، مع رئيس مجموعة “العرجاني” المصرية، شملت مشاريع موزعة على مدن الشرق، يضعها محللون في خانة “الصفقات السياسية” بالدرجة الأولى.

وتضمنت العقود الجديدة، التي جرى توقيعها في بنغازي، السبت الماضي، توسعة طريق الباكور-المرج، شرق بنغازي، بطول 16 كيلومترا، وتطوير الطريقين الدائريين الرابع والخامس في بنغازي بإجمالي 60 كيلومترا، وإنشاء كوبري بوابة مدينة طبرق (200 متر)، واستكمال شبكات الصرف الصحي ومحطة الكهرباء بمدينة درنة، وصيانة طريق الرجمة-المرج، شرق بنغازي، بطول 66 كيلومترا.

وفيما قال الصندوق في بيان إن هذه المشروعات “ستنفذ في عدد من المدن والمناطق الليبية بهدف تعزيز البنية وتحسين الخدمات الأساسية”، أضاف أنها تأتي في إطار “رؤيته للنهوض بالبنية التحتية وتهيئة بيئة ملائمة للتنمية المستدامة في مختلف المدن والمناطق”. ويُلاحظ أن هذا العدد من العقود تم توقيعه بعد أقل من أسبوع من زيارة قام بها حفتر إلى القاهرة، رفقة أولاده الثلاثة بلقاسم وصدام وخالد، التقى خلالها السيسي في مدينة العلمين على ساحل البحر المتوسط، شمال مصر.

وثمّن حفتر خلال لقائه السيسي مساهمة مصر في “نقل تجربتها التنموية إلى ليبيا والاستفادة من خبرات الشركات المصرية الرائدة”، ما يعكس إحياء تحالفه مع القاهرة الذي شهد فتوراً خلال المدة الماضية، فقد انقطعت زياراته إلى القاهرة خلال السنوات الثلاث الماضية، باستثناء لقاء واحد في يناير الماضي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتعاقد فيها بلقاسم حفتر مع شركات العرجاني لتنفيذ مشروعات شرق ليبيا، ففي يوليو 2024، وقع صندوق التنمية عقوداً مع شركة “نيوم” المصرية، التي كان العرجاني يرئسها آنذاك، لتنفيذ مشاريع إعمار في درنة والجبل الأخضر. وقبل ذلك، في يناير 2024، أعلنت الحكومة الموازية في بنغازي عن توقيع عقود كبرى مع شركات مصرية، بينها “نيوم” و”وادي النيل”، لإنشاء 11 جسراً في مدن درنة وبنغازي واجدابيا، بحضور بلقاسم حفتر ممثلا للصندوق. وشملت تلك العقود إنشاء ستة جسور في درنة، مثل “جسر البحر” و”جسر وادي الناقة”، وجسرين في اجدابيا، وثلاثة جسور في بنغازي، منها “جسر تقاطع جزيرة الجرات”.

ولم تكن هذه المشاريع معزولة عن تحولات العلاقات الليبية المصرية، فقد جاء ظهور العرجاني في ليبيا قبل ارتباطه بمعسكر حفتر في الشرق، إذ ظهر ضمن وفد مصري رفيع في مايو 2023 وصل إلى طرابلس وضم مسؤولين من المخابرات العامة المصرية ورجال أعمال، للقاء رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، بهدف العمل على مقاربة مصرية تجمع بين التعاون الأمني والاقتصادي.

وفي أغسطس من العام نفسه نجحت هذه المقاربة في التحول إلى توقيع عقود بين حكومة الدبيبة وشركات العرجاني بقيمة 19 مليار دينار ليبي (4.24 مليارات دولار)، شملت مشاريع مثل صيانة طريق أوباري-غات في جنوب البلاد، وطريق اجدابيا-جالو في الشرق، وبالتوازي أعلنت الحكومة في طرابلس عن اتفاقها مع الجانب المصري على استقدام مليون عامل مصري.

لكن العلاقة بين الحكومة في طرابلس والجانب المصري سادها لاحقا التوتر الذي وصل إلى حد توقف الاتصالات، ومنذ ذلك الحين بدأ مسار العرجاني يتجه نحو تعزيز علاقاته مع حفتر في شرق البلاد، لكنه تقارب يتماهى أيضا مع موقف القاهرة المتغير من حفتر وفقا لسياساتها في المنطقة، فخلال الفتور الذي ساد العلاقة بينها وبين حفتر تراجع نشاط العرجاني ليعود الآن بعد تنشيط العلاقات التي توجت بالزيارة الأخيرة في العلمين.

وعلى الرغم من الأنشطة التي أبداها صندوق التنمية وإعادة الإعمار في شرق البلاد، واتصاله الوثيق بكبرى الشركات المصرية عبر العرجاني، وأخرى تركية في مجال الإعمار، إلا أنه لم يتمكن من الارتباط بشركات عالمية أخرى، بسبب إشكالية رئيسية تتعلق بمصادر تمويله الضخمة وكيفية صرفها دون أي رقابة (آخرها ميزانيته التي تقدم بطلبها إلى مجلس النواب للعام الجاري والمقدرة بـ69 مليار دينار ليبي)، وهو ما أثار انتقادات دولية ومحلية.

وفي أكتوبر 2024، وبعد لقاء مع بلقاسم في بنغازي لمناقشة “تعزيز الشراكة الاقتصادية مع واشنطن”، نشر جيرمي برنت، القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا، تغريدة على “إكس” أشاد فيها بالحوار حول الشراكة بينهما، لكنه شدد على أن “الشفافية والمساءلة في إدارة الإيرادات أساسيان لاستقرار ليبيا”. وفي الداخل لم يخفِ عدد من أعضاء مجلس النواب مخاوفهم خلال جلسة لمجلس النواب التي عقدت في مطلع يونيو الماضي لمناقشة الميزانية المقترحة من الصندوق والبالغة 69 مليار دينار، حيث طالب بعض النواب بكشف مصير المليارات التي خصصت للصندوق في السنوات السابقة، مصرّين على ضرورة الإفصاح عن سجلات الصرف قبل إقرار ميزانية جديدة، ما يشير إلى مخاوف دولية وداخلية وشكوك عميقة حول شفافية الصندوق.

في هذا السياق، يقدم الخبير الاقتصادي الليبي أبوبكر عبد النبي قراءة شاملة لإيجابيات وسلبيات عقود الصندوق مع الجانب المصري، إذ يرى أن المشاريع الجديدة في الطرق والجسور والبنى التحتية قد تحفز النمو المحلي وتوفر فرص عمل وتلبي احتياجات ضرورية لحياة المواطن، وخاصة أن الشركات المصرية لها خبرة معترف بها في هذه المجالات.

ويشير عبد النبي، وهو أكاديمي وأستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن مصر تعد القوة الاقتصادية الأهم في دول الجوار الليبي، وتعزيز الروابط التجارية معها مهم بالنسبة لحفتر، لأن هذه العقود تمثل له غطاء تنمويا يعزز شرعيته الداخلية من جانب، ومن جانب آخر يرسخ تحالفه مع مصر التي توفر له دعما في المحيط الإقليمي.

ويعتبر الخبير الاقتصادي الليبي أن لتحالف حفتر مع القوى الإقليمية المهمة، كمصر، أهدافاً سياسية بالدرجة الأولى، فليست مشروعات الإنماء إلا وسائل لتحول خطابه للوصول إلى السلطة من آلة الحرب إلى آلة المال والاستثمار. ويوضح الخبير أنه من خلال تسجيل قدرة الشركات المصرية على الإنجاز السريع في مجالات الإعمار يمكنه تسجيل نجاحات على الأرض في ملف الإعمار وتقوية أوراقه وأدواته في منافسة السلطة في طرابلس.

ويضيف “الهدف بالتحديد، في رأيي، هو تحقيق حلمه في الهيمنة على مصادر التمويل، ولن يتم ذلك إلا بتحقيق هدفه القديم في نقل مؤسسة النفط من طرابلس إلى بنغازي، فرغم سيطرته على منابع النفط في الجنوب ونقاط تقديره في موانئ وسط البلاد، إلا أن قرار تصديره الشرعي عبر مؤسسة النفط بقي خارج يده”.

ويرى عبد النبي أن نجاح حفتر في ملف الإعمار سيمكنه من حشد التأييد المحلي والخارجي لخطوة نقل مقر مؤسسة النفط إلى بنغازي، أو على الأقل يمكنه من طلب المزيد من التمويل بالأرقام التي يرغبها بمساعدة الضغط الشعبي الذي سيرى فيه الرجل الذي حقق حلم التنمية.

في المقابل، يؤكد عبد النبي أن لمصر أهدافها مع تنشيط تحالفها مع حفتر، كشغل الفراغات التي تحاول أطراف أخرى ملأها، مثل التقارب التركي مع معسكر حفتر وتوقيع عقود ضخمة مع الشركات التركية، وتزايد العلاقة مع الروس العسكرية والاقتصادية، وهناك حديث عن توجه قريب من جانب الصين لتسجيل حضور في شرق البلاد. إلا أنه في الآن نفسه تبرز سلبيات لهذه العقود التي وقعها الصندوق أخيرا.

ويلفت عبد النبي إلى أن أولى السلبيات غياب الشفافية في أعمال الصندوق، الذي يزيد من حجم الشكوك حول ممارسته للفساد، وهذا ما سيقوض ثقة المجتمع الدولي، لا في الصندوق نفسه بل في أي هيئة ستتبنى الاتجاه ذاته، ويشير إلى أن عدم وضوح آليات الإنفاق والصرف في الصندوق قد يرتب على البلاد مراكمة كبيرة في الدين العام، بل وأكثر من ذلك خطورة أن يكون الصندوق على علاقة بتمويل بعض مشروعات بالنقد المزيف، الذي كشف عنه المصرف المركزي الليبي أخيرا وقدّره بـ3.5 مليارات دينار ليبي.

ويتابع عبد النبي قراءته بأن مشروعات حفتر وذهابه في اتجاه إنجاحها بأي ثمن لتحقيق مكاسب سياسية، قد يحولها إلى مشروع معارضة سياسية تنتهي إلى تعميق الانقسام الحاصل في البلاد، هذا علاوة على مخاطر أخرى تتعلق بالأمن القومي للبلاد، من ناحية الاعتماد التام على الشركات الأجنبية الذي سيحد من تنمية الكفاءات المحلية، ويزيد في المقابل من سيطرة جهات خارجية على بنى تحتية حيوية كالمطارات والموانئ، لا سيما ما يتعلق بالمنشآت النفطية.

ويعتبر عبد النبي أن حفتر، العسكري بطبعه وتكوينه وحلمه في حكم البلاد بأي ثمن، لا يملك القدرات السياسية لإدارة التنافس الدولي في حال استمراره في فتح باب الدعوة أمام جميع الشركات الدولية، لا سيما إذا اتجهت دول أخرى ذات ثقل دولي للبحث عن مواضع أقدام لها في ليبيا من خلاله، للانخراط في مشاريعه الضخمة، ما سيحول البلاد إلى ساحة صراع أخطر من الصراع السياسي، لكونه صراعاً يلامس مقدرات البلاد الاقتصادية بشكل أقرب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى