العربي الجديد-
الظروف الكارثية التي شهدتها ليبيا أخيراً بسبب الفيضانات التي تسبّبت فيها العاصفة دانيال، بالإضافة إلى غياب الاستقرار عموماً، أدّيا إلى زيادة عمليات الهجرة السرية بفعل ضعف الرقابة وانشغال المعنيين.
خلال الأيام الأخيرة، شهدت سواحل ليبيا زيادة في نسبة الهجرة السرية نحو الشواطئ الأوروبية الجنوبية. وفي عمليتين منفصلتين، أنقذت زوارق جهاز حرس السواحل الليبي، 110 مهاجرين من جنسيات أفريقية مختلفة، بعد تلقي بلاغ عن وجودهم على متن قاربين شرق مدينة الخمس (120 كلم شرق طرابلس) وحاجتهم للإنقاذ. وبحسب المكتب الإعلامي لحرس السواحل الليبي، نقلوا إلى مدينة الخمس وأنزلوا بقاعدة مدينة الخمس البحرية وحصلوا على الدعم والمساعدة قبل تسليمهم إلى الجهات المختصة.
وبالتزامن مع هذه الحادثة، وصل 90 مهاجراً إلى سواحل جزيرة لامبيدوزا الإيطالية قادمين من ليبيا، ضمن ثلاث عمليات هجرة في يوم واحد نحو إيطاليا، بحسب وكالة آكي الإيطالية. وأشارت الوكالة إلى وصول 35 مهاجراً إلى إيطاليا قادمين على متن قارب من مدينة زوارة بأقصى الغرب الليبي. وأوضحت أن زورق دورية تابعا لقوات خفر السواحل الإيطالي أنقذ 35 شخصاً، غالبيتهم سوريون أكدوا انطلاقهم من زوارة، لافتة إلى أنهم وصلوا على متن قارب ألياف زجاجية يبلغ طوله 7 أمتار.
وتعد ليبيا إحدى دول العبور في أفريقيا، ويقصدها مهاجرون سريون من دول أفريقية وعربية بغية الهجرة عبر البحر إلى أوروبا، مستعينين بشبكات تهريب وعصابات تستغل الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة في البلاد منذ عام 2011. ويعزو المسؤول لدى إدارة القوافل الصحراوية التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، نصر الشويط، زيادة وتيرة الهجرة مؤخراً إلى الانشغال بتداعيات العاصفة دانيال وانهيار سدي وادي درنة في شرق البلاد. ويقول لـ “العربي الجديد”: “توجهت غالبية الزوارق البحرية المخصصة للإنقاذ والطوارئ إلى درنة من أجل المساهمة في جهود انتشال الجثث التي جرفت نحو البحر”، لافتاً إلى أن “المهام كبيرة وتتطلب جهوداً كبيرة، وخصوصاً بعد مغادرة فرق الإنقاذ الدولية والعربية البلاد”.
يضيف الشويطر: “الانشغال الأمني بكارثة درنة ساهم أيضاً في ارتفاع نسبة الهجرة مؤخراً، وسط تركيز إعلامي على ما يحدث هناك. بالتالي، كل الظروف بدت مؤاتية للإبحار بالقوارب، وخصوصاً قبل بدء فصل الشتاء وتغير الأحوال الجوية والبحرية”. ويستبعد أن يكون هناك دور لمنظمات الإنقاذ الدولية غير الحكومية في موجات الهجرة الأخيرة، وخصوصاً أن المهاجرين أنقذوا من قبل حرس السواحل الليبيين قبالة الخمس.
وفي أكثر من مناسبة، اتهمت البحرية الليبية المنظمات الدولية غير الحكومية بالمساهمة في زيادة موجات الهجرة، من خلال الإعلان عن تواجدها قرب الحدود الإقليمية الليبية، معتبرة أن وجود سفن الإنقاذ الدولية يسهل عمل شبكات التهريب، وذلك من خلال تقصير المسافة والتوجه من الساحل الليبي إلى إحدى تلك السفن القريبة، بدلاً من التوجه إلى الساحل الإيطالي البعيد.
وفي عملية قد يراد منها تدارك موجات الهجرة، أعلنت البحرية الليبية عودة زوارق حرس السواحل من درنة، ووصولها منذ السبت إلى قاعدة الخمس البحرية. وكان مجلس الأمن الدولي قد صوت على مشروع قرار لتجديد تفويض الدول الأعضاء العاملة على المستوى الوطني أو من خلال المنظمات الإقليمية، الخميس الماضي، لمكافحة الهجرة السرية في ليبيا وذلك لعام واحد، بموجب القرار رقم 2240 الصادر في التاسع من أكتوبر عام 2015.
ويمنح مشروع القرار تفويض الدول الأعضاء في تفتيش ومحاصرة السفن في المياه الدولية قبالة سواحل ليبيا التي يشتبه في استخدامها لتهريب المهاجرين أو الاتجار في البشر، وذلك في أعقاب مشاورات مغلقة أجراها المجلس. ويتضمن مشروع القرار فقرة جديدة تؤكد ضرورة معاملة جميع المهاجرين بإنسانية، وضمان حقوقهم كاملة، وحث جميع الدول على الامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين، حسب الاقتضاء.
وتتضمن مسودة القرار أيضاً فقرة تنفيذية تدعو جميع الدول ذات الولاية القضائية ذات الصلة إلى التحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن أعمال تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في البحر، ومحاكمتهم بطريقة تتفق مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.
وبحسب تقارير إعلامية غربية، قدمت روسيا هذا العام مقترحات عدة تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها المهاجرون عبر البحر المتوسط، وطالبت بمفاوضات موضوعية بشأن نص القرار، فيما شاركت فرنسا ومالطا في صياغة مشروع القرار لهذا العام، وعقدتا جولة واحدة من المفاوضات يوم 25 سبتمبر الماضي، قبل أن تتداول البلدان في اليوم التالي نسخة مراجعة من مشروع قرار لتجديد تفويض القرار 2240.
في هذا الإطار، ووفقاً للتقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول تهريب المهاجرين والاتجار في البشر، وصل 169 ألفاً و219 مهاجراً إلى أوروبا عبر مسارات الهجرة الثلاثة الرئيسية في البحر المتوسط، خلال الفترة بين سبتمبر عام 2022 ويوليو الماضي، بمعدل زيادة قدره 51 في المائة مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.
وتصدر مسار منتصف البحر المتوسط من ليبيا وشمال أفريقيا، قائمة المهاجرين بـ 133 ألفاً و514 مهاجراً، 45 في المائة منهم غادروا من ليبيا و43 في المائة من تونس. ويلفت التقرير الأممي إلى اعتراض 20 ألف لاجئ ومهاجر في البحر المتوسط، وإعادتهم إلى ليبيا خلال الفترة التي شملها التقرير، الذي يؤكد أن ليبيا لا تزال مكاناً غير آمن للمهاجرين واللاجئين الذين يجري اعتراضهم في البحر المتوسط
وحتى إبريل الماضي، قدر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وجود أكثر من 705 آلاف مهاجر وطالب لجوء داخل ليبيا، مشيراً إلى استمرار احتجاز بعضهم قسرياً في مراكز احتجاز رسمية وغير رسمية يديرها أطراف تابعون للدولة، يجري حرمانهم من حرياتهم على يد جهات غير حكومية.
ووجدت نتائج التقرير أن هناك أسساً معقولة للاعتقاد بوجود جرائم ضد الإنسانية تُرتكب بحق المهاجرين في ليبيا منذ عام 2016 على الأقل، مضيفة أن غياب الوصول المنتظم لوكالات الأمم المتحدة لمراكز احتجاز المهاجرين يعرقل قدرة تلك الوكالات على تقييم الحجم الحقيقي لانتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا.
من جهة أخرى، ومع استمرار جهود انتشال الغارقين في البحر قبالة مدينة درنة المنكوبة بالفيضان، يتساءل الناشط الحقوقي رمزي المقرحي عن احتمالات وجود مهاجرين سريين ضمن الضحايا المنتشلين أو المفقودين، مستغرباً عدم الإعلان عن أي أرقام. ويقول المقرحي لـ “العربي الجديد”: “لا تخلو أي مدينة ولا حتى قرية ليبية من مهاجرين، وخصوصاً من الجنسيات الأفريقية. هم في العادة يأتون للعمل وكسب المال إما لغرض تجميع ما يكفي منه لنففات الهجرة إلى أوروبا، أو لإرساله للأهل داخل أفريقيا”.
من هنا، يسأل المقرحي عن مصير أفارقة في درنة وباقي المدن المتضررة في الجبل الأخضر، وخصوصاً مع عدم وجود أي قواعد بيانات خاصة بهم، كونهم دخلوا ليبيا بطرق سرية. ولم تصدر أي توضيحات رسمية حول مصير المهاجرين المحتجزين في مراكز الاحتجاز، كالموجودة في البيضاء وشحات، أو الموجودين داخل السجون مثل سجن الكويفية وقرنادة وغيرها. كما لم يتم رصد أي انشغال بالأمر حتى من المنظمات الدولية المعنية، وخصوصاً فيما يتعلق بمراكز الاحتجاز الموجودة في المدن التي غمرتها سيول الإعصار.
يشار إلى أنه في أغسطس الماضي، وصل 89,158 مهاجراً إلى إيطاليا بزيادة 115 في المائة عن الشهر نفسه في العام 2022، كما ذكرت وكالة نوفا الإيطالية نقلاً عن بيانات لوزارة الداخلية الإيطالية. وأشارت إلى أن عدد القصر غير المصحوبين بذويهم زاد بنسبة 83,50 في المائة بالمقارنة مع العام 2022. وأفادت البيانات بأن غالبية المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا حتى 31 يوليو الماضي هم من تونس، ويبلغ عددهم 54,693، أي ما يعادل 61,34 في المائة من إجمالي أعداد المهاجرين، تليها ليبيا بنسبة 33,7 في المائة. وحلت تركيا في المرتبة الثالثة تليها الجزائر.