العربي الجديد-
برزت المليشيات المسلحة في ليبيا خلال الحروب المتتالية عبر الـ10 سنوات الماضية، للحفاظ على مكاسبها وأرباحها ونفوذها، تماشيا مع الأوضاع السياسية غير المستقرة، وقد وصف محلل اقتصادي الوضع بـ”عسكرة الاقتصاد”.
وكشفت 3 مصادر حكومية من المصرف المركزي وحكومة الوحدة الوطنية وهيئة الرقابة الإدارية، أن المجموعات المسلحة تتدخل مباشرة في العمل اليومي مع فرض إملاءات بشأن تعيين حلفاء لها في مناصب حكومية وسفراء بالخارج، فضلا عن استخدام أسلوب الابتزاز من أجل الحصول على الأموال أو الحصول على وظائف حكومية.
وتشير التقديرات إلى أن عدد المليشيات المسلحة في ليبيا يصل إلى أكثر من 300 مجموعة مختلفة التسليح والأعداد.
ووصف المحلل الاقتصادي أبوبكر الهادي الوضع في ليبيا بـ “عسكرة الاقتصاد”، إذ إن الاقتصاد الليبي تحت سيطرة مجموعات مسلحة منذ العام 2011.
وأوضح أن شرق ليبيا تحت سيطرة قوات حفتر التي تقوم بنشاطات مثل بيع الخردة والتدخل في بعض العقود الاستثمارية، فيما في غرب البلاد توجد مجموعات مسلحة لها أجندة مختلفة المشارب.
“الكارتل” يعزّز حضور المليشيات في الدولة
من جانبه، أكد المحلل المالي محسن قرضاب لـ”العربي الجديد” أن الاقتصاد الليبي (الكارتل) يعزز حضور المليشيات المسلحة في جميع مفاصل الدولة، مما تسبب في تشكيل قوة مالية وعسكرية يصعب تفتيتها على المدى القريب.
وخلال جلسة مجلس النواب بشأن مناقشة مشروع الموازنة العامة، تساءل أعضاء مجلس النواب حول وضع أموال لمجموعات مسلحة خارج نطاق وزارتي الداخلية والدفاع.
وشهد الاقتصاد غير الرسمي نموا خلال السنوات الأخيرة، وقدره محافظ مصرف ليبيا المركزي بـ60%، فيما يرى مدير “مركز أويا للدراسات الاقتصادية” أنه بمعدل يناهز 85%.
ومع ارتفاع نسبة البطالة إلى 22%، يلجأ العديد من الشباب إلى الانخراط في المجموعات المسلحة لتأمين سبل عيشهم.
ويقول المهندس حمزة القاضي، إنه لم يتحصل على فرصة عمل في مجال تخصصه كمهندس نفط، لكنه تحصل على فرصة عمل كسائق في إحدى المجموعات المسلحة مقابل مبلغ شهري يبلغ 1500 دينار شهريا.
كما حاولت مجموعة مسلحة تتبع شكليا وزارة الدفاع فرض رئيس لهيئة الرقابة الإدارية خلال اليومين الماضين، بقوة السلاح واستخدام العنف، علما أن المرشح للمنصب لا يملك أي مؤهل علمي بحسب شهادات موظفين في هيئة الرقابة الإدارية.
فرض إتاوات (خوّات)
ولفت عدد من المواطنين إلى أن فرض إتاوات وحصول عمليات سرقة ونهب من مسلحين للمدنيين.
في السياق، يروي المواطن مسعود المزداوي لـ”العربي الجديد” كيف أنه تعرض لعملية سطو مسلح في “بوابة القضامة” التي تبعد 91 كيلومترا شمال طرابلس، على يد مجموعة مسلحة تمتهن السطو على المارة، مرتدية زيا عسكريا ومعها سيارات عليها شعار حكومي.
وأكد التاجر محمد الجماعي أنه يقوم بدفع مبالغ مالية عند نقل البضائع من طرابلس إلى الجفرة تتراوح بين 50 دينارا و200 دينار بحسب البوابات والأماكن المخصصة للوقوف على الطرقات.
وفي سوق الخضروات بمنطقة إنجيلة، غرب طرابلس، أكد بائع خضروات أن إتاوات مالية تدفع بقيمة 50 دينارا لصالح مجموعة مسلحة مقابل الركن في المكان المقصود، ودفع المبلغ من دون إيصال حكومي.
إملاء على الحكومات… وخطف
وأفرز اقتصاد المليشيات العديد من الخصومات التي اشتدت خلال السنوات العشر الماضية في فرض إملاءات على الحكومات، وصلت إلى حد خطف رئيس الحكومة الأسبق، علي زيدان، خلال العام 2013، وأجبرت خلاله مجموعة مسلحة رئيس الحكومة على دفع ملياري دينار.
كما تقوم المجموعات المسلحة، في مقابل بدل مادي، بحراسة المباني الحكومية، ومن بينها وزارتا الخارجية والمالية.
واختُطف مديرو فروع مصرفية ومسؤولون في المصرف المركزي، في سبيل الحصول على خطابات اعتماد لشركات الواجهة أو المتواصلين معهم.
وسيطرت مجموعات مسلحة على الحقول والموانئ النفطية فتكبدت الدولة خسائر مالية بسبب الإغلاقات غير القانونية بقيمة 153 مليار دولار، ومن بينها الاقفالات القانونية التي فرضتها مليشيا إبراهيم جضران سنة 2013.
وفي 23 نوفمبر 2020، حاولت جماعة مسلحة تُدعى “كتيبة النواصي” استدعاء كبار المسؤولين في “شركة البريقة لتسويق النفط”، وطلبت معلومات حساسة، بحسب تقرير مجلس الأمن 2020.
كما رصد التقرير اعتداءات متكررة على محطات “الشركة العامة للكهرباء”، منها الزويتينة والخمس والزاوية، وذكر أن هناك ظهورا لعصابات تهريب صغيرة خلال النصف الثاني من العام الماضي وأوضح أن مجموعة “كتيبة النصر” المسلحة بقيادة محمد كشلاف تسيطر على “مجمع الزاوية النفطي”، وأن هناك تهديدا للأفراد من الذين يعرقلون حصولهم على الموارد.
وفي تقرير مجلس الأمن لسنة 2018، ورد قيام قائد “كتيبة ثوار طرابلس” بخطف عضو في مجلس إدارة “المؤسسة الوطنية للنفط” لفرض صفقة لصالح شركة كندية، وأطلق حينها تهديدا بالعنف.
وفي نهاية العام 2017، سيطرت الكتيبة 106 بقيادة ابن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على فرع “مصرف ليبيا البيضاء”، وسط مدينة بنغازي، ونقلت كمية كبيرة من النقود والفضة إلى جهة مجهولة.
وتُعرف العاصمة طرابلس، منذ سقوط نظام القذافي، صراعا بين المليشيات أو المجموعات المسلحة التي تختلف توجهاتها وتتنوع ولاءاتها، وغالبا ما يندلع القتال بينها، وسط ضعف لأجهزة الدولة التي تواجه تصاعد نفوذ الفصائل التي تخترق دوائر الحكومة وتسيطر على أهم مرافقها، فضلا عن ارتفاع معدلات السرقات وتهريب الأموال والنفط والسلاح، تزامنا مع ارتفاع معدلات الإصابة بجائحة كورونا.