
* كتب/ عمر السويحلي،
في مشهد جديد من فصول الصراع السياسي والعسكري في العاصمة الليبية طرابلس، جاء خطاب رئيس حكومة الوحدة الوطنية مؤخرًا بلغةٍ شديدة الوضوح والصرامة، حملت نبرة مغايرة لما اعتاده المواطنون من خطابات التهدئة والموازنات الدقيقة.
هذه المرة، بدا الرجل وكأنه قرر كسر دائرة التعايش القسري مع الأجسام الموازية للدولة، وعلى رأسها المليشيات المسلحة التي تغولت في مفاصل مؤسساتها، حتى باتت تمثل دولة داخل الدولة، تدير ملفات الأمن والمال والسيادة بمنأى عن الشرعية والقانون.
مضمون الخطاب: إعلان نية المواجهة
أكد رئيس الحكومة في خطابه على ضرورة “التخلص من الأجسام التي تصارع الحكومة” وتعيق قدرتها على بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، معتبرًا أن بقاء هذه التشكيلات المسلحة خارج إطار الدولة يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن البلاد واستقرارها السياسي. وقد بدا واضحًا أن الحكومة قد استنفدت صبرها مع هذه الكيانات التي لم تعد مجرد حليف أمني أو شريك في التوازن، بل تحولت إلى أدوات ابتزاز وتعطيل ممنهج.
رد فعل جهاز الردع: بداية المواجهة
وفي تطور مفاجئ وسريع عقب الخطاب، أقدم جهاز الردع على إغلاق المنافذ المؤدية إلى قاعدة معيتيقة، في خطوة وُصفت على نطاق واسع بأنها استباقية واحترازية، تعكس تخوفه من تنفيذ وشيك لما جاء في الخطاب. هذا الإغلاق كشف حجم التوتر الكامن تحت السطح، وأظهر بجلاء أن المواجهة المحتملة بين الحكومة وهذه الأجسام لم تعد سيناريو مؤجلاً، بل واقعًا بدأ يتبلور.
اختبار الإرادة: ماذا بعد الخطاب؟
الساعات القادمة ستكون كاشفة لقدرة رئيس الحكومة على ترجمة خطابه إلى أفعال. فسرعة التحرك لإعادة فتح منافذ معيتيقة ستكون أول اختبار حقيقي لجدية الحكومة، وسيتبعها –كما هو متوقع– قرار بالمواجهة العسكرية والأمنية مع جهاز الردع، ما لم يتراجع الأخير عن مواقفه ويتحلل من وضعيته المستقلة عن سلطة الدولة.
المعركة الأوسع: ضد الابتزاز والجريمة
الواضح أن رئيس الحكومة ومن يقف خلفه من القوى العسكرية الداعمة يدركون أن بقاء هذه “العروش” –عروش الفوضى والابتزاز وعرقلة التنمية– لم يعد خيارًا. فإما أن تنتصر الدولة وتفرض هيبتها على الجميع دون استثناء، أو يبقى المشهد الليبي رهينة لصراعات داخلية لا نهاية لها، تديرها جماعات تتغذى على ضعف الدولة وتشتت قرارها.
إن خطاب رئيس الحكومة لم يكن مجرد بيان سياسي، بل إعلان نية الدخول في معركة وجودية بين مشروع الدولة ومشروع الفوضى. فإما أن تنجح الحكومة في تفكيك بنية المليشيات المسلحة واستعادة القرار السيادي، أو تخسر آخر معارك الشرعية أمام تغول الأجسام الموازية. وما حدث اليوم في معيتيقة قد لا يكون سوى شرارة البداية لمعركة طويلة وحاسمة، تحدد ملامح المرحلة القادمة في ليبيا.