
الناس-
“ثلاثة مرضى وآخرهم طفلة فقدناهم جميعا بسبب حساسية مفرطة (Anaphylaxis) بعد حقنة مضاد حيوي. فبين أول صرخة استغاثة… وآخر نفسٍ يتلاشى… لا يملك المريض إلا دقائق معدودة ولم يكن المرض خصمهم بل كان الوقت هو خصمهم الأكبر.
…. والمؤلم أكثر أن علاجهم كان بسيطا ومتوفرا… فهو ليس لغزا طبيا ولا إجراءً جراحيا معقّدا بل هو أوضح ما يكون وهو حقنة أدرينالين واحدة فقط”.
هذه المقدمة من منشور للدكتور امحمد أبوجلالة طبيب الباطنة بمركز مصراتة الطبي، وينبه فيه إلى ظاهرة تفشت، وهي دخول مريض للمشفى على قدميه يعاني من أعراض لمرض غير خطير كالانفلونزا، لكنه يخرج محمولا، في وفاة مفاجئة تضع الطبيب في مأزق والأهل في صدمة.
يقول طبيب الباطنة: “لم أكتب هذه الكلمات من فراغ… بل كتبتها بعد أن تكررت علي مسامعي المأساة نفسها ثلاث مرات في مستشفيات مختلفة”.
ويسلط الضوء على أسباب انتكاسة المريض، بسبب الحساسية موضحا أن “الحساسية المفرطة ليست مجرد طفح جلدي أو ضيق بسيط في التنفس. بل إنها عاصفة مفاجئة قد تبدأ بتورم في الوجه أو الشفتين أو اللسان، مع صعوبة في التنفس أو صفير، وتتطور الي دوخة شديدة أو فقدان وعي، وفي دقائق قليلة يهبط الضغط بشدة يتوقف القلب وتُفقد الحياة”.
أبوجلالة: حقنة الأدرينالين في مكانك… لا في مكان آخر وثوان فقط تصنع الفارق بين الحياة والموت
ولا يكتفي أبوجلالة بالتشخيص بل ينتقل مباشرة للإجراء اللازم لإنقاذ الحياة فيقول: “الحل معروف عالميًا وبأدلة طبية ثابتة وهو حقنة الأدرينالين (Epinephrine/Adrenaline) فهو العلاج الأول والوحيد، وهو الدواء المنقذ للحياة، ويجب إعطاؤه فورا بالعضل في الفخذ، ولا ننتظر ولا نؤجّل القرار، وفي هذه الحالات لا يوجد وقت لنقل المريض إلى مستشفى آخر، فحن نتكلم عن دقائق بل ثوانٍ تصنع الفارق بين عودة الحياة وفقدانها”.
ويضيف: “هذا ما تؤكده الدراسات الطبية، بأن نصف وفيات الحساسية المفرطة تحدث خلال 5–30 دقيقة فقط، وأغلب من فقدوا حياتهم لم يُعطَ لهم الأدرينالين في وقته. وحتى إذا تحسنت الحالة، قد تعود الأعراض بعد ساعات (الحساسية المفرطة ثنائية الطور – Biphasic Anaphylaxis) لهذا يجب إبقاء المريض تحت المراقبة 12–24 ساعة”.
وبعد هذا التوضيح يوجه أبوجلالة رسالتين “من قلب التجربة”، للأطباء والممرضين، والثاني لذوي المريض، يقول في أولاها: “إلى زملائي الأطباء والممرضين: الأدرينالين أولًا… وما عداه لاحقًا. فأحيانًا مأساة بحجم الكون يولّدها إهمال لحظة أو جهل حقيقة أو تردّد في قرار”.
وفي الثانية يقول: “إلى الأهالي: إن كان طفلكم يعاني من حساسية خطيرة احرصوا أن يكون معه دائمًا قلم أدرينالين (EpiPen)..
ويختم طبيب الباطنة منشوره محرضا على نشر المعلومة: “انشروا هذه المعرفة… فربما تكون كلمة واحدة سببًا في إنقاذ حياة إنسان وربما يكون وعي صغير هو الفارق بين مأساة وفاجعة… أو ابتسامة عودة طفل إلى حضن والديه”.