الرئيسيةالرايثقافة

شط الحرية: عن المديح الإقصائي وفوبيا التعدد!

* كتب/ طارق القزيري،

يمثل مسلسل شط الحرية علامة فارقة في الكوميديا الليبية لنجاحه الجماهيري غير المسبوق، بيد أن هذا -ووسط هالة التهليل والاحتفاء المُستحق- يُخفي سؤالا جوهرياً حول آليات تلقي الأعمال الفنية: فهل يمكن الاحتفاء بإبداع دون تحويله إلى أداة لهدم سياق فني بالفعل؟

تكشف تجربة المسلسل كيف يمكن للنجاح أن يتحول إلى معادلة ثنائية حادة وحاسمة، ترفع العمل الفني إلى مرتبة الأسطورة عبر تقويض كل ما يختلف عنه بدلا من تحليله كجزء من سياق تراكمي يتسع للتجارب كافة.

هنا يتربع المديح الإقصائي أي التمجيد برفع عمل فني أو إبداعي إلى مرتبة التفرد المطلق، لكنه يفعل ذلك عبر تهميش أو التقليل من قيمة الأعمال الأخرى، مما يؤدي إلى إقصاء التنوع بدلًا من الاحتفاء به.

متى تنجح الكوميديا؟

يقدم شط الحرية نموذجا لكيفية توظيف الكوميديا كأداة لنقد الواقع دون الوقوع في فخ الخطابية. اذ يعتمد العمل على السرد الشعبي واللغة العامية مما يخلق جسرا بين الشاشة والجمهور.

ذات يوم قالت غادة السمان في إحدى مقابلاتها “الفن الذي يلامس التفاصيل اليومية يصير صوتا جماعيا حتى لو اختلفت الآراء حوله”.

ونجاح شط الحرية بالتماهي مع الثقافة المحلية هو تفوق نوعي بلا شك، وهو ما يكشف عن حاجة الجمهور لمرايا تعكس هويته المهمشة في الإنتاجات الفنية السابقة.

الثنائيات المطلقة: إشكالية النقد بالمقارنة!

في حالة شط الحرية تحول الاحتفاء به إلى خطاب يقارن المسلسل بأعمال تنتمي إلى أنماط مغايرة، مثل المقارنة بين الكوميديا والدراما الاجتماعية أو حتى التاريخية مما يفقد المقارنة شرعيتها الفنية والعلمية.

 

لا يقتصر الانزياح نحو المديح الإقصائي على السياق الليبي، فالثقافات التي تعاني من ضعف البنية النقدية غالبا ما تحول النجاح الفردي إلى معيار مطلق.

يقول المخرج المصري محمد خان في حديثه عن صناعة السينما “الخوف من التنوع ينتج ثقافة فنية أحادية تقدس العمل الناجح وتلغي البقية وكأن الفن ساحة حرب”.

نحو خطاب نقدي تراكمي:

التعددية شرط للتطور وإقصاء التجارب الأخرى تحت ذريعة تفرد عمل ما يعيد إنتاج أزمة المشهد الفني الليبي، الذي يحتاج إلى تعددية، تسمح بتعايش الأنماط السردية والدرامية المختلفة، فالصراع بين التوجهات الفنية سينتج ثقافة استبعادية تعيق التطور.

بدلا من ذلك ينبغي اقتراح نموذج مغاير حيث النجاح الحقيقي هو أن تصنع عملا يلهم الآخرين للبناء عليه لا أن يخيفهم من تجربة أشكال جديدة.

فيا رفاق ألسنا بحاجة لنستمع إلى إدواردو غاليانو حين يقول “كل إنسان يلمع بطريقته الخاصة، لكن الضوء الحقيقي هو الذي يساعد الآخرين على الرؤية”؟

الفن كفضاء للتساؤل لا للتصنيف:

لا ينبغي لشط الحرية أن يختزل في كونه الأفضل أو الوحيد فقط بل كتجربة تثبت أن الكوميديا الليبية قادرة على خلق حوار نقدي مع الذات والمجتمع،

والناقد الفني الحقيقي هو ذلك الذي يفكك العمل ليفهمه لا ليحكم عليه.

فبدلا من ثنائية الإشادة أو الإقصاء يمكن قراءة المسلسل كخطوة في مسار طويل يحتاج إلى تنوع يثري الساحة الفنية ويحررها من معادلة الغالب والمغلوب التي تكرس الجمود لا الإبداع.

بهذا يصبح الفن مساحة مشتركة للتساؤل، حيث يتكامل النجاح والفشل كوجهين لعملة واحدة هي التجريب.

وعموما يا أصدقاء دعونا نستمع هنا لنيتشة حين قال: “لا أحب الأجوبة، فهي تقضي على سحر السؤال!!”. نعم نحن بحاجة للسؤال فعلا، فالإجابات باتت سهلة لدينا. سهلة للغاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى