سياسة تصحيح وتوحيد سعر صرف الدينار الليبيى خلال الفترة 1999-2002 (ج 3)
* كتب/ محمد أبوسنينة
بقي أمر واحد وهو ضريبة النهر الصناعي التي كانت مفروضة بواقع 15% على مبيعات النقد الأجنبي بموجب قانون صدر بالخصوص عن السلطة التشريعية في ذلك الوقت، وتطبق على مبيعات النقد الأجنبي لكافة الأغراض الشخصية والتجارية، والتي اعتبرت تشوها في سعر الصرف في ذلك الوقت، وقيدا على عمليات الحساب الجاري بميزان المدفوعات من وجهة نظر صندوق النقد الدولي.
بتاريخ 25 يونيو 2003 اتخذ مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي قراراً بتخفيض سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي بواقع 15% لتصبح القيمة التعادلية للدينار الليبي 0.5175 وحدة حقوق سحب خاصة، وهو آخر تعديل لسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي، وكان هذا الإجراء بهدف احتواء ضريبة النهر الصناعي بتضمينها للسعر، وصار سعر صرف الدينار الليبي: دولار واحد يساوي 1.5 دينار تقريبا. وقد طرأ تحسن على سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية القابلة للتحويل خلال السنوات اللاحقة دون المساس بقيمته التعادلية، إلى أن استقر سعر الصرف مقابل الدولار عند 1.38 دينار، غير أن هذا السعر كان يتحرك ضمن هامش واسع وفقا لما يطرأ على أسعار العملات الأجنبية المكونة للسلة، وعلى النحو الذى تمت الإشارة إليه في الجزء الأول من هذا الإدراج على نحو مفصل.
والجدير بالذكر أن مصرف ليبيا المركزي قد استند في إجراءاته على أحكام المادة (25) من القانون رقم (1) لسنة 1993 بشأن المصارف والنقد والائتمان في إقرار وتطبيق سياسة سعر الصرف الخاص المعلن وموافقة الحكومة بموجب كتاب اللجنة الشعبية العامة سابقا المؤرخ في 2 فبراير 1999 .
وبالرغم من ذلك وبالرغم من تحقيق سياسة سعر الصرف الخاص المعلن لأهدافها، حيت تمكن الدينار الليبي من استعادة قوته الشرائية خلال فترة قصيرة من الزمن والتحسن الكبير الذى طرأ على سعر صرفه مقابل عملات الدول المجاورة لليبيا، ففي فترة غير بعيدة عن تاريخ مباشرة تطبيق سياسة سعر الصرف الخاص المعلن كان الدينار الليبي يساوي ربع دينار تونسي في المناطق الحدودية، ولكنه سرعان ما استعاد عافيته واسترجع اكثر من 60% من قيمته المفقودة مقابل الدينار التونسي خلال أشهر معدودة من البدء في تنفيد هذه السياسة إلى أن استعاد قيمته كاملة ورجع إلى وضعه الطبيعي خلال سنة، كما حدث انخفاض في أسعار السلع المستوردة بالأسواق الليبية، وصارت جل المعاملات التجارية مع العالم الخارجي تتم عن طريق النظام المصرفي بما في ذلك نشاط التصدير حيث سمح للمصدرين بالتصرف في حصيلة صادراتهم بالنقد الأجنبي ونمت أرصدة المودعين بالنقد الأجنبي لدى المصارف التجارية. ومع ذلك فقد واجهت تلك السياسة تحد قانوني، حيث اعتبر البعض أن سعر الصرف الخاص كان مخالفا لسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي وتم الطعن فيه أمام القضاء في تواريخ لاحقة بعد استقرار الأوضاع والانتهاء من تنفيذ تلك السياسة .
يتضح من العرض السابق مايلى :
– تم إجراء تخفيض لسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي قبل البدء في تطبيق سعر الصرف الخاص المعلن .
– تم إجراء تخفيض لسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي في أثناء تطبيق سياسة سعر الصرف الخاص المعلن .
– تم إجراء تخفيض أخير لسعر الصرف الرسمي للدينار الليبي في تاريخ توحيد سعر الصرف وكآخر مرحلة في سياسة سعر الصرف الخاص المعلن .
– طبق سعر الصرف الخاص المعلن في البداية على الأغراض الشخصية (غير التجارية) وفى مرحلة لاحقة طبق على الأغراض التجارية .
– لم يطبق سعر الصرف الخاص المعلن على تحويلات وتوريدات الحكومة في بداية العمل بسعر الصرف الخاص المعلن .
– كان هناك سعر صرف للدينار الليبي مستهدف الوصول إليه مسبقا، أَي محدد مسبقا لدى مصرف ليبيا المركزي، اعتبر سعرا عادلا أو توازنيا .
– تم القضاء على السوق السوداء للنقد الأجنبي منذ الأسبوع الأول لتطبيق سعر الصرف الخاص المعلن، وأصبح المصرف المركزي هو الذى يقود السعر طوال فترة تطبيق تلك السياسة، ولم تتجاوز أسعار الصرف في السوق الموازية سعر الصرف الذى يعلن عنه مصرف ليبيا المركزي .
– كان مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي هو الجهة الوحيدة التي تحدد سعر الصرف، وكان السعر يتحدد في أثناء الاجتماع ودون علم مسبق لدى أي من أعضاء مجلس الإدارة .
– استغرقت فترة تطبيق سياسة سعر الصرف الخاص المعلن سنتين على الأقل قبل الوصول إلى مرحلة توحيد سعر الصرف عند مستوى السعر العادل والتوازني .
– لم يكن مصرف ليبيا المركزي قد وقع على المادة الثامنة من اتفاقية صندوق النقد الدولي التي تمنع الدول الأعضاء من ازدواجية أو تعدد أسعار الصرف، رغم أن المبدأ السائد في صندوق النقد الدولي هو عدم تعدد أسعار الصرف أو فرض قيود على العمليات الجارية بالحساب الجاري لميزان المدفوعات .
– وقع مصرف ليبيا المركزي على الاتفاقية والتزم بأحكام المادة الثامنة منها اعتباراً من شهر يونيو 2003، أى بعد إقرار وتطبيق سياسة سعر الصرف الخاص المعلن .
– شهد سعر صرف الدينار الليبي استقراراً استمر طوال العشر سنوات اللاحقة لآخر تعديل أجري على قيمته في 24 ديسمبر 2001.
– استخدم فائض ناتج إعادة تقويم أصول وخصوم مصرف ليبيا المركزي في إطفاء الدين العام المصرفي والذى كان يقدر بحوالي 6.0 مليار دينار في ذلك الوقت بالتنسيق مع وزارة المالية، كما استخدم جزء منه في تغطية الالتزامات القائمة المستحقة الدفع على الاعتمادات المستندية المفتوحة لدى المصارف التجارية قبل تنفيد تلك السياسة، وكان ذلك بهدف المحافظة على استقرار أسعار السلع المستوردة في السوق. وما تبقى من فوائض فقد طبقت بشأنه أحكام قانون المصارف والنقد والائتمان رقم (1) لسنة 1993 التي نظمت كيفية التصرف في فائض إعادة التقويم .
– قام بعض المواطنين والجهات، في تاريخ لاحق، أي بعد الانتهاء من إجراءات تلك السياسة، برفع دعاوى أمام القضاء اعتراضا على استخدام سعر الصرف الخاص المعلن الذى كان مختلفا عن سعر الصرف الرسمي للدينار الليبي في أثناء فترة تطبيق السياسة.