الرئيسيةثقافة

زوج أجاثا كريستي.. حاكم (هُون) و(مصراتة)

* كتب/ عبدالوهاب الحداد،

 ماكس مالوان ” Max Mallowan” عالم آثار بريطاني متخصص في تاريخ الشرق الأوسط القديم، ولد بلندن مايو 1904، تخرج من جامعة أكسفورد، أوفد للعراق عام 1925 ضمن بعثة أثرية، وفي العراق التقى لأول مرة بكاتبة الروايات البوليسية “أجاثا كريستي” ليتزوجا في سبتمبر 1930.

بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتحديدا عام 1942 عمل “مالوان” في فرع الاستخبارات بالقوات الجوية البريطانية، وحمل رتبة عسكرية، ونقل للعمل بالقاهرة وبقي بها عاما كاملا بمقر قيادة القوة الجوية في الشرق الأوسط.

تطوع بعدها للعمل كموظف للشؤون المدنية في “إقليم طرابلس الغرب” بليبيا، فغادر القاهرة صيف عام 1943 عبر القطار، ثم على متن سفينة تنقل معدات حربية متوجهة لطرابلس.

في طرابلس كلف “مالوان” بالعمل كمساعد للعقيد “هـ. س. أ. روث” مسؤول الشؤون المدنية في المحافظة الغربية الممتدة من الزاوية إلى زوارة، وقد كان مقر المحافظة مدينة صبراتة، وبقي في مهمته هذه مدة ستة أشهر، كلف بعدها بأمر من الحاكم العسكري العميد “موريس لش” لإدارة مدينة “هُون”.

**

يصف “مالوان” بلدة “هُون” بأنها: “واحة صغيرة وملمومة، جميلة الترتيب، تقع بين واحتين هما سوكنة على مسافة أربعة عشر ميلا غربا، وودان على بعد المسافة نفسها شرقا، وكانت ودان قلعة بربرية قديمة وتضم حصنا جميلا مازال قائما استخرجت منه قبل سنوات كثيرة حليّ ذهبية ثقيلة تعود للطوارق”، وعن السكان يقول: “سكان هون وودان طيبو المعشر على نحو يكفي للتعامل معهم، ولم يسببوا لي سوى متاعب قليلة، إلا أنني وجدت رجال سوكنة محبوبين جدا”.

بعد عام في “هُون” سلّم “مالوان” مهمته إلى النقيب “فرانكلين كاردنر” الذي وصفه بأنه “كثير التعاطف مع العرب”، وبأنه من سعى لتسمية الساحة الرئيسية في هون “ميدان مالوان”.

**

عام 1943 خرج “س. س. أولتن” في إجازة؛ لينقل “مالوان” بديلا له حاكما لـ”مصراتة”، التي رأى أن “الطابع المديني النسبي لبلدة مصراتة يعد تغييرا منعشا بعد حياة التقشف في هُون” في المقابل وجد “العمل الإداري في إدارة أكبر وأكثر تعقيدا أمرا يصعب تحمله”.

يذكر “مالوان” حادثة واحدة له في “مصراتة” تتعلق باللورد “كاروي” حاكم أستراليا العام في وقت ما “الذي فقد ابنه في القتال ودفن في مقبرة عسكرية على الساحل تبعد ميلا أو ميلين عن مصراتة المطلة على البحر، وعبّر الأب عن رغبته في الحصول على صورة لقبر ولده، وأرسل عريفا من مدينة طرابلس لأداء المهمة، ولسوء الحظ اكتشف أن الكثير من الصلبان الخشبية التي ثبتت على القبور رفعت، وأبلغ طرابلس أن القبور قد تعرضت للتدنيس، وسمع القائد العام في القاهرة آنذاك المارشال “جمبو ولسن”  بالموضوع فأمر باتخاذ إجراء فوري وعقابي، وطلب تقديم تقرير إليه خلال 48 ساعة، وكان العميد “ترافرز بلاكلي” يتولى القيادة في مدينة طرابلس، وأُبلغت بالتحقيق فورا واتخاذ إجراءات فاعلة ومناسبة”.

يقول “مالوان” إنه زار المقبرة واكتشف أن بعض الصلبان الخشبية رُفع فعلا، إلا أنه لم يستطع التوصل إلى أية علامات تشير إلى تعرض القبور للتدنيس، وبأنه تفهم إزالة القبائل التي تجوب المنطقة -حيث المقبرة– للصلبان الخشبية، لأنها كانت بحاجة ماسة إلى خشب الوقود، فالفرق العسكرية المختلفة التي استعملت كل عود من خشب الوقود كانت قد عسكرت في المنطقة أثناء القتال، ومنها الفرقة الهندية الخامسة.

ومع ذلك استدعى “مالوان” شيوخ القبيلتين المالكتين لأراضي المنطقة التي تقع بها المقبرة العسكرية، وعقد معهم اجتماعا بحضور ستة ضباط بريطانيين، وحضور شخصية ليبية بارزة هي “الصديق المنتصر” -يقول “مالوان” إنه عمل مستشارًا لهم- وانتهى الاجتماع بتغريم القبيلتين بمبلغ قدره “مليون ليرة” تدفع خلال سبعة أيام.

وتبريرا لقيمة الغرامة يذكر أن اللحم غالٍ ونادر جدا في المنطقة، حتى إنّ ثمن الجَمل الواحد يبلغ نصف مليون ليرة، وبأنه سيتوجه للقبيلتين ويصادر جملين في حال لما تدفعا قيمة الغرامة في الموعد المحدد.

بعد أربعة أيام من الاجتماع دفعت القبيلتان كامل قيمة الغرامة، وبنى “مالوان” خزانة جديدة أودع فيها النقود، وبعد ستة أشهر أعاد قيمة الغرامة للقبلتين لعدم تكرارهما الفعل.

**

لا يذكر “مالوان” في مذكراته تاريخ مغادرته مصراتة، إلا أنه أمضى فيها أشهرا رقّي بعدها لمنصب مستشار للشؤون العربية في طرابلس، خلفا للرائد “كندي شو”، كما يشير إلى أنه عمل “ضابط صف أول للشؤون المدنية بسوق الجمعة بمدينة طرابلس”، وكيف أحبط خروج مظاهرة كبيرة بالمدينة بمنع التجمع عبر “الضغط البوليسي المعتدل” دون اعتقال شخص واحد، دون أن يورد دوافع هذه المظاهرة.

**

آخر مهمتين له في طرابلس كانتا: استبدال العملة الإيطالية بعملة جديدة أصدرها الحاكم العسكري البريطاني في ليبيا، وإعادة النظر في هيكل الرواتب التي تدفع للموظفين الليبيين بمن فيهم موظفي المحاكم والقضاة التي أنجزها خلال ثلاثة أشهر، ليغادر “مالوان” طرابلس جوا عبر مطار “كاستيلو بينيتو”، في مايو 1943 بعد ثلاث سنوات قضاها بليبيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى