عربي 21-
أكدت وزارة الدفاع الروسية أن “الخطوات بدأت فعليا أواخر ديسمبر 2023 في تشكيل “الفيلق الأفريقي” ليملأ فراغ قوات مجموعة “فاغنر” الأمنية المتمركزة في القارة الأفريقية وأن الانتهاء من تشكيل الفيلق سيكون خلال عام 2024 في خمس دول أفريقية، وهي: ليبيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وأفريقيا الوسطى، والنيجر”.
“قاعدة عسكرية رئيسية“
ونقل موقع “فيدومستي” التابع لوزارة الدفاع الروسية أن “الفيلق سيكون تابعا مباشرة للإدارة العسكرية الروسية، وسيشرف عليه نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، وأن مخطط وزارة الدفاع الروسية للفيلق أن يتخذ من المنطقة الشرقية في ليبيا التي يسيطر عليها حفتر قاعدة رئيسية له للانتشار منها إلى بقية البلدان الأفريقية، وهذا كان سبب تكرار لقاء يفكوروف بحفتر في بنغازي في أغسطس، ونهاية سبتمبر في موسكو.
ولم يصدر أي تعليق من قبل قوات حفتر حتى اللحظة على هذه المعلومات التي تعمدت موسكو نشرها في أغلب صحفها وترجمتها للعربية في خطوة رأى البعض أنها محاولة لإحراج حفتر وكشف تنسيقه حتى لا يتنصل منه مستقبلا.
فما المصالح المشتركة بين موسكو وحفتر بخصوص الفيلق الأفريقي في شرق ليبيا؟ وما رد فعل واشنطن على الخطوة؟
“نجاح وقوة روسيا”
من جهته، قال المستشار السياسي السابق لحفتر والمحلل السياسي المقيم في أمريكا، محمد بويصير، إن “هذا الأمر متوقع مع تكرار زيارات مساعد وزير الدفاع الروسي للشرق الليبي ولقاء حفتر، وهذه جبهة جديدة لدفع واشنطن خارج المنطقة، وأعتقد أنها ستنجح وسيرتب الروس الأمور في ليبيا بحسب رؤيتهم وسيحققون نوعا من الاستقرار”.
وأضاف في تصريحات لـ”عربي21″ أن “هذا الأمر ليس شرطا أن يكون فيه حفتر هو من سيقود المرحلة القادمة حتى لو كان في بؤرة المرحلة الحالية، المخطط الروسي أكبر من حفتر بكثير، وهم غرضهم ليبيا والساحل وليس برقة”، وفق تقديراته.
وتابع: “بعد أن اكتسبت أمريكا عداء العرب والمسلمين نتيجة مشاركتها في العدوان على غزة، تناقصت أوراقها وستنسحب إلى أوروبا باعتبار أن وجودها هناك يقوم على أنظمة سياسية واقتصادية مشابهة لنظامها، والهدف الرئيسي للاستراتيجية الروسية هو عالم متعدد الرؤوس وهم ينفذون ذلك بقوة”، بحسب رأيه.
“شرعنة وجود ونفوذ”
في حين رأى المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، السنوسي إسماعيل الشريف، أن “هشاشة الوضع والتي سببها تخاذل الدول الغربية في ليبيا سمح لروسيا أن تجد موطئ قدم لها في البلد المنقسمة على نفسها، وتحولت قوات الفاغنر مؤخرا إلى قوات رسمية تابعة لوزارة الدفاع الروسية في خطوة عسكرية روسية مصحوبة بخطوة سياسية وهي تعيين حيدر أغانين سفيرا فوق العادة في طرابلس، وخطوة اقتصادية تتمثل في تنفيذ تعاقدات شركات نفطية روسية مع المؤسسة الوطنية للنفط”.
وأشار في تصريحه لـ”عربي21″ إلى أن “روسيا لن تخرج من ليبيا لطالما وجدت القوات التركية وقوات الأفريكوم والقوات الإيطالية وعناصر المخابرات الأمريكية في الغرب الليبي، وهي تنسق موقفها وعلاقاتها في ليبيا عسكريا مع قائد الجيش المتمركز في الشرق والجنوب حفتر، وسياسيا مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح وحكومته كونها تريد شرعنة وجودها في ليبيا كقوة عظمى محايدة”.
وأضاف: “وفي ذات الوقت تمد موسكو علاقاتها مع رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس ورئيس مجلس الدولة محمد تكالة، ولا تغفل التواصل مع الأحزاب بالذات الحزب الديمقراطي برئاسة محمد صوان وكذلك دعمها للتوافق بين مجلسي النواب والدولة”، كما رأى.
“مكاسب حفتر عسكريا“
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الخرطوم الرشيد محمد إبراهيم، أكد أن “الاستراتيجية الروسية تتبدل الوسائل والأدوات فيها لكن تظل الاستراتيجية ثابتة، وليبيا تعني الكثير بالنسبة لروسيا، وأعتقد أنه غير الساحل والصحراء أن تكون هناك خطوات روسية قادمة على نفس النمط وعلى نفس النهج الذي حدث في ليبيا على شواطئ البحر الأحمر الذي يشهد تحالفا وتكتلا الآن، ولا يمكن استبعاد روسيا من القيام بالأدوار الخارجية في هذه الفترة”.
وأوضح أن “هذا النوع من الاتفاقيات العسكرية الخاصة بالقواعد في المنطقة تكون فيه مجموعة من المكاسب والحوافز بالنسبة للعسكريين مثل حفتر وأهمها التسليح والتدريب والصيانة وقطع الغيار، وفي الغالب تكون هذه الاتفاقيات ذات أمد طويل مما يتيح لها الاستفادة منها وتطبيق أهداف استراتيجية في المنطقة، وطبيعة الأوضاع في ليبيا بالنسبة لبوتين أن اهتماماته عسكرية أكثر منها في آسيا التي تعد اهتماماته سياسية واقتصادية”، وفق تصريحه لـ”عربي21”.
“رد فعل أمريكي”
ورأى الباحث التونسي في العلاقات الدولية بشير الجويني أن “الاستراتيجية الروسية تنزع نحو الدخول بشكل مباشر في أفريقيا من أجل تحقيق غايتين: ملء الفراغ الناجم عن تراجع عدد من القوى التقليدية منها فرنسا، والثاني توفير موطئ قدم في قارة هي مستقبل الصراع الدولي”.
وأكد لـ”عربي21″ أن “العداء المتزايد للشركاء التقليديين يفتح آفاقا واسعة أمام موسكو لتقديم نفسها كبديل عن دول استعمارية مارست الفعل الاستعماري بأشكال متعددة، لكن نتيجته كانت واحدة أن أفريقيا أغنى القارات ما زالت ترزح تحت الديكتاتورية والفقر والفساد والحكم العسكري”.
وتساءل الباحث التونسي: “هل في الأمر إحراج لمعسكر الشرق الليبي وجزء من السودان؟ والسؤال الأهم: هل سترضخ أمريكا لهذا أم إنها سترفع الفيتو في وجه الجميع هناك؟” مستدركا بأنه “لا شك أن في الأمر فرصا وتحديات للجميع، في حين يرى متابعون كثر أن مجال التفاوض أمام حلفاء روسيا لتحسين موقعهم التفاوضي مع المعسكر الغربي واسع وفيه إمكانيات معتبرة للمناورة”، وفق تعبيره.