DW-
يرى خبراء أن روسيا في ظل غياب واشنطن أخذت توطد علاقاتها مع مختلف الأطراف في ليبيا مستغلة احتياج هذه الأطراف لها من جهة وحاجتها لتعزيز مصالحها في هذه الدولة النفطية، لكن من ستدعم موسكو للترشح للرئاسة؟ حفتر أم نجل القذافي؟
انضمّ سيف الإسلام، نجل العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إلى قائمة طويلة من الساسة والقادة الليبيين الذين يتطلعون إلى الحصول على دعم موسكو، في ظل مساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعزيز وجود بلاده في ليبيا الغنية بمصادر الطاقة. ويبدو أنّ روسيا تراهن على “القذافي” الإبن.
وفي ظل الغياب شبه الكامل للولايات المتحدة، ترى موسكو أن أمامها فرصة لكي تصبح الوسيط المحوري بشأن السلطة في ليبيا التي يبدو أنها تسير على غير هدى، بعدما مزقتها الصراعات منذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي، ثم قتله في عام 2011 . وربما تتلقى تحركات روسيا في ليبيا دفعة قوية بعد إعلان الولايات المتحدة اعتزامها سحب كامل قواتها من سوريا.
ومازالت موسكو تُلقي بثقلها وراء المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، والذي يسيطر على أغلب مناطق إنتاج النفط في شرق البلاد. ورغم ذلك، تتحرك روسيا في هدوء لإقامة علاقات مع جميع الفصائل المتصارعة في البلاد بحسب ما أوردته وكالة أنباء “بلومبرغ” الأمريكية عن دبلوماسيين أوروبيين اثنين مطلعين على الاستراتيجية الروسية.
ويجعل هذا الوضع روسيا في موقف يتيح لها الاستفادة من التطورات التي تحدث في ليبيا على نحو أكبر من غيرها من القوى الخارجية التي تدعم طرفاً واحداً أو آخر في الصراع الليبي.
ويقول الباحث السياسي الليبي محمد الجارح إنه في حين تواجه صعوبات كبيرة مساعي سيف الإسلام القذافي للعودة إلى السلطة، فإن أفضل سيناريو بالنسبة للروس هو “عودة شخص من نظام الحكم القديم لأن الطرفين يعرفان بعضهما البعض جيدا، وكانت بينهما عقود من التعاملات خلال حكم القذافي”.
وبالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أدان الحملة العسكرية التي قادها حلف شمال الأطلسي (ناتو) على ليبيا لينهي أربعة عقود من حكم القذافي، واعتبرها “حملة صليبية”، فإنّ استعادة الدور القوي لموسكو في ليبيا بعد تجربة تدخله الناجح في سوريا، من شأنه أن يعزز مكانة روسيا على حساب الولايات المتحدة. كما أن هذا السيناريو سيفتح الطريق أمام حصول الشركات الروسية على عقود بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار في ليبيا، مع احتمال إقامة قاعدة بحرية روسية جديدة في البحر المتوسط.
“جميع الأطراف الليبية تثق بموسكو“
ويقول ألكسندر دينكين، رئيس معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية، وهو مركز أبحاث حكومي يقدم المشورة للرئاسة الروسية (الكرملين): “فعل الغرب كل شيء ممكن لكي يُلقِي بليبيا في مستنقع الفوضى.. أما الآن، فتثق جميع أطراف الصراع بموسكو”.
وبحسب الدبلوماسيين الأوروبيين، عدَّلت روسيا استراتيجيتها في ليبيا العام الماضي، فبالإضافة إلى دعمها لحفتر، تبذل موسكو جهدا كبيرا لاستقطاب حكومة طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة، وغيرها من مراكز القوة والنفوذ في ليبيا، بما في ذلك الجماعات التي تسيطر على مدينة مصراتة، غربي ليبيا.
ويقوم المشير حفتر بزيارات متكررة إلى موسكو منذ 2016، كما يزور رئيس الوزراء الليبي فايز السراج وغيره من كبار المسؤولين في حكومة طرابلس العاصمة الروسية أيضا بانتظام. والآن يبدو أن استراتيجية الكرملين في ليبيا بدأت تؤتي ثمارها. فروسيا تجري محادثات مع ليبيا لتفعيل عقد قيمته 2ر2 مليار يورو (5ر2 مليار دولار) لإقامة خط حديدي لقطار فائق السرعة بين بنغازي وسرت، والذي تم تعليقه منذ الإطاحة بمعمر القذافي.
كما أن شركات السلاح الروسية، التي خسرت عقوداً بمليارات الدولارات منذ سقوط القذافي، بدأت تستعيد مكاسبها من طرابلس، وإضافة إلى ذلك، فإنّ ليبيا بصدد شراء مليون طن من القمح الروسي، بقيمة 700 مليون دولار. كما تتزايد المصالح النفطية لروسيا في ليبيا، حيث زار مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، موسكو في تشرين أول/أكتوبر الماضي، لبحث سبل استئناف شركتي “جازبروم” و”تاتنفط” الروسيتين العمل في مشروعات نفطية ليبية تعود إلى عهد القذافي. كما وافقت شركة “روسنفط” الروسية على التنقيب عن النفط في ليبيا وإنتاجه، وشراء الخام الليبي. وتتم هذه الصفقات مع المؤسسة الوطنية للنفط الموجودة في العاصمة طرابلس، رغم علاقات موسكو القوية مع حفتر الموجود في طبرق، حيث أنّ المؤسسة هي الجهة الليبية الوحيدة صاحبة الحق في عقد اتفاقات نفطية دولية.
وفي الوقت الذي تعمل فيه روسيا على تعزيز وجودها الإقليمي والدولي، يبدو انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من المشهد الدولي، بما في ذلك إعلانها مؤخرا سحب القوات الأمريكية من سوريا، وكأنه ترك الولايات المتحدة تواجه تخبطا وتسير بلا هدف.
وفيما تعمل إدارة ترامب على تطوير استراتيجية جديدة في إفريقيا، فإنها أرسلت القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد للمشاركة في مؤتمر عن ليبيا نظمته الحكومة الإيطالية. وأرسلت روسيا رئيس وزرائها ديمتري ميدفيديف للمؤتمر.
سيف الإسلام القذافي البالغ من العمر 46 عاماً والذي درس في مدرسة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية، ألقت القبض عليه فصائل مسلحة ليبية وخضع للمحاكمة وأطلق سراحه منتصف عام 2017 .
من ستدعم موسكو ـ حفتر أم القذافي الإبن؟
ويقول مصدر مطلع على الملف الليبي في موسكو: “ما من أحد في ليبيا يمكنه تحمل تبعات استعداء روسيا أو عدم التواصل معها. يُجري المندوبون الروس اتصالات مع القذافي الابن الذي كان يُنظر إليه قبل سقوط نظام حكم والده، باعتباره الوريث المنتظر للسلطة. وبحسب المصدر، جرت الاتصالات عبر تقنية الفيديو ومن موقع غير معروف يقيم فيه سيف الإسلام. وأضاف المصدر في تصريحات لوكالة “بلومبرغ” للأنباء أن أحد ممثلي سيف الإسلام التقى نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوجدانوف أوائل كانون أول/ديسمبر الجاري، حيث سلمه رسالة من سيف الإسلام تحمل رؤيته السياسية لليبيا، ويطلب فيها دعما سياسيا من موسكو. وقال المصدر، الذي لم يتم الكشف عن هويته، إن القذافي الابن طلب أيضا دعماً مالياً من روسيا، والوساطة مع الفصائل الأخرى في ليبيا لحشد الدعم له حال خوضه انتخابات الرئاسة التي تسعى الأمم المتحدة إلى إجرائها العام المقبل.
لدى المشير حفتر في الوقت نفسه، طموحات رئاسية، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الزعماء السياسيين الليبيين، ولكنّ يبدو أن روسيا لم تقرر بعد، من تؤيد في السباق الرئاسي. ويقول الباحث السياسي الجارح إنه في ضوء وجود ملاحقة قضائية لسيف الإسلام من قبل حكومة طرابلس وكذلك من المحكمة الجنائية الدولية، فإن عودته إلى ممارسة السياسة في البلاد لن تتم إلا في إطار مصالحة وطنية أكبر.
وتقول ماريا ال مكاهليه، خبيرة شؤون الشرق الأوسط بمركز أبحاث “فالدي كلوب” المدعوم من الحكومة الروسية، إنه في ظل حقيقة أن حفتر يبلغ من العمر 75 عاما ويعاني مشكلات صحية شديدة، ربما تؤيد روسيا سيف الإسلام حال حظي بتوافق الليبيين بشأنه. أما “ليف دينجوف” المبعوث الروسي إلى ليبيا، فقال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إنّ حكومته تتواصل مع سيف الإسلام ووصفه بأنه “شريك في العملية السياسية” وأنه “متفائل للغاية” بمستقبله السياسي.