الرئيسيةالرايفي الذاكرة

رحلة الموت: الطائرة الليبية التي أسقطتها إسرائيل… مع جيل أسقطها من الذاكرة…

* كتب/ د/ محمود أبوزنداح  asd841984@gmail.com

في تاريخ الأمم لحظات لا يجب أن تُنسى، ومآسٍ يجب أن تُروى للأجيال كي لا تتكرر. لكن في ليبيا، هناك مأساة مرّت كما تمر نشرة الطقس، لم تُدرّس في المدارس، ولم تُحفر في ذاكرة الوطن، حتى صار جيل كامل يجهلها تمامًا.

مأساة الرحلة رقم 114، التي تحولت في 21 فبراير 1973 من طائرة مدنية إلى كرة من اللهب في صحراء سيناء، هي جرح في تاريخ ليبيا.. جرح حاولت السياسة إخفاءه، وكأن 108 روحًا أزهقت في وضح النهار.

رغم هول الكارثة، لم يقف النظام حينها للمطالبة بحقوق الضحايا، بل انشغل بخطابات وشعارات بعيدة عن هموم الليبيين، مطاردًا قضايا عالمية لا تخص الشعب، بينما لم يجرؤ على فتح ملف مقتل مواطنيه على يد مقاتلات إسرائيلية. كانت النتيجة صمت رسمي، وإهمال إعلامي، وذاكرة وطنية مثقوبة.

ملخص الحادثة

في ذلك اليوم، أقلعت الطائرة الليبية من طرابلس مرورًا ببنغازي في طريقها إلى القاهرة. بسبب سوء الأحوال الجوية وأعطال في الأجهزة، انحرفت الطائرة عن مسارها ودخلت المجال الجوي الذي كانت تسيطر عليه قوات الاحتلال في سيناء. اعترضتها مقاتلات إسرائيلية من طراز F-4 Phantom II وأطلقت عليها النار، ما أدى لسقوطها.

 

كان على متن الطائرة 113 شخصًا (104 ركاب و9 من الطاقم)، توفي 108 منهم ونجا خمسة فقط.

الروايات وردود الأفعال

إسرائيل بررت الهجوم بأنها حاولت التواصل مع الطائرة عبر إشارات دولية، ووصفت تصرف الطيار بأنه “غير طبيعي” واعتبرتها تهديدًا محتملاً.

لكن المجتمع الدولي، ومعه منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، اعتبر أن الطائرة كانت مدنية واضحة المعالم، وأن الهجوم كان خطأ جسيمًا، إن لم يكن جريمة متعمدة.

وزارة الإعلام الليبية أكدت أن الطائرة كانت في وضعية استعداد للهبوط، ما يدل على امتثالها، لا على نية الهروب.

ورغم الإدانة الواسعة، لم تُتخذ أي إجراءات عقابية ضد الكيان من الأمم المتحدة.

شهادات لاحقة

في روايات لاحقة، ورد أن بعض الركاب نجوا في لحظات ما بعد التحطم، لكن اثنين منهم توفيا لاحقًا، ليتبقى فقط خمسة ناجين. القصة اليوم شبه منسية في الذاكرة الليبية، وسط جيل لم يسمع بها قط.

ذاكرة غائبة… ودروس لم تُستوعب

حادثة الرحلة 114 ليست مجرد فصل منسي من تاريخ ليبيا، بل دليل على كيف يمكن للسياسة أن تطمس المآسي وتختار ما ترويه للأجيال. وبينما تبقى أرواح الضحايا بلا اعتراف حقيقي، يظل التاريخ شاهدًا على أن الصمت أخطر من الرصاص، وأن النسيان أفتك من أي هجوم جوي.

 

بعد أكثر من نصف قرن على رحلة الموت رقم 114، ما زالت ليبيا تدفع ثمن الصمت، وكأن قدرها أن ترى دماء أبنائها تذهب هدرًا دون حساب. ما جرى في صحراء سيناء لم يكن مجرد حادث طيران، بل كان اختبارًا لوطنية الحكومة وقدرتها على الدفاع عن مواطنيها، اختبارًا سقط فيه النظام سقوطًا مدويًا. واليوم، ونحن نعيش في وطن تتكرر فيه المآسي وتُطمس الحقائق، يصبح استحضار هذه القصة واجبًا وطنيًا، لا مجرد استذكار للتاريخ. فالأمم التي تنسى جراحها، تترك أبوابها مفتوحة لجرائم جديدة. والرحلة 114 تهمس في أذن كل ليبي: لا تصمتوا، فالصمت بداية النهاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى