* كتب/ محمد الصادق أبوفلغة،
في 24 ديسمبر، كما في أيام وطنية أخرى على مدار السنة، يطرأ نقاش ساخن تحركه العواطف السياسية حول تاريخ البلاد.
لا يمكن نكران أن 24 ديسمبر يوم مفصلي. قد نتناظر حول مدى استقلالية الدولة ومدى سيادتها يومئذ، ولكن لا يمكن أن ننكر أن 24 ديسمبر هو تحديدا يوم ميلاد الدولة الليبية الحديثة، هذه الدولة التي حكمها ادريس السنوسي، ثم حكمها القذافي، ثم تناوب على حكمها آخرون منذ 2011، هي الدولة ذاتها.
لعل إصرار القذافي على طمس مرحلة السعي نحو الاستقلال والعهد الملكي من أخطر جرائمه على الذاكرة السياسية لليبيا. ذلك لأن هذا الإصرار أدى إلى إحداث فجوة في الذاكرة، وكأن شيئا لم يحدث خلال الفترة من 1931 حتى 1969م، أو كأن البلاد وأهلها كانوا في معزل عن التاريخ حينها.
ومن هنا، تبرز أهمية ردم هذه الفجوة أولا، وربط المراحل التاريخية ببعضها.
24 ديسمبر هو يوم ميلاد الدولة الليبية، فهو بالتالي تتويج لجهاد الشعب الليبي ضد الطليان والذي امتد لعقود، وهو أيضا تتويج لنضال الآباء المؤسسين الذين سعوا لنيل الاستقلال في ظروف صعبة لسنوات. هذا اليوم ليس نهاية لمرحلة فقط، ولكنه أيضا بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الليبيين. وُلدت الدولة في 24 ديسمبر 1951 كدولة مستقرة ذات دستور، وإن كانت غير مكتملة السيادة لظروفها. استغرقت البلاد قرابة العقدين حتى تستكمل سيادتها في بداية عهد القذافي، لكنها للأسف سرعان ما وقعت في شباك الاستبداد. وإن كانت الحرب استمراراً للسياسة بوسائل أخرى – على قول كلاوزفيتز، فإن الاستبداد هو استمرار للاستعمار بوسائل أخرى. وبالتالي، لم تكن ثورة فبراير إلا استكمالاً للاستقلال الذي تحقق في 24 ديسمبر باعتبارها تتويجا لمرحلة نضال خاضها ليبيون في سبيل إنهاء الاستبداد وتحقيق “الاستقلال الثاني” – بحسب تعبير المفكر السوري ياسين الحاج صالح. هناك حاجة ملحة لهيكلة التاريخ السياسي لهذه البلاد، وبناء سردية وطنية يمكن الاعتماد عليها في بناء دولة قوية ذات سيادة، تحترم مواطنيها ويحترمها مواطنوها.
بناء هذه السردية يبدأ من ربط المراحل السياسية المختلفة التي مرت بها ليبيا في سياق رحلة واحدة، وإن انحرف المسار في بعض الأحيان.