رأي- وما الحرب إلا ماعلمتم وذقتم..
بقلم/ رئيس التحرير
الوضع الميداني الصعب الذي يعيشه “أمير الحرب” حفتر بعد انقلابه الفاشل دفع به إلى البحث عن مزيد من الدعم من الرعاة الإقليميين، فنزل في قاهرة السيسي.
الأرجح أن حفتر لن يعلي من سقف مطالبه، فالدعم السخي الذي وفرته الدول الراعية لانقلابه الخميس (04 فبراير 2019) كان يكفي لبسط السيطرة على كامل البلاد لو أحسن استغلاله، لكن ما قد يبحث عنه في الوقت الحالي هو إنقاذه من هزيمة مذلة، حفل بها سجله الحربي.. ربما سيطلب على الأقل مساعدته في الخروج بما تبقى من ماء وجهه، والعودة إلى قواعده التي انطلق منها لحفظ مكان له في المشهد السياسي القادم في ليبيا. متحينا فرصة أخرى لانقلاب آخر.
“مصر” الراعي الرئيسي لحفتر منذ سنوات أبدت دبلوماسيتها عقب فشل اجتياح طرابلس قلقها من “القتال الدائر” في العاصمة طرابلس، كما عرضت وساطتها على السراج رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، لكن الأخير رفض إلا أن يعود حفتر من حيث أتى. ما يعني تمريغ أنفه في التراب وإنهاء طموحه السياسي الجامح، الذي لن يقبل بأقل من حكم البلاد حكما شموليا أقرب للإقطاعي منه للعسكري.
وبالتوازي مع موقف السراج صعّد وزير داخليته “باشاغا”، مصرّا على أن لا يكون لحفتر أي دور في المشهد السياسي القادم، وأن الحوار المزمع عقده لن ينقطع بين الليبيين، لكن دونه بكل وضوح.
ماتسرب عن لقاء حفتر والسيسي مؤخرا في القاهرة، (الأحد 14 أبريل 2019م) أن الرئيس المصري أبلغ حفتر بحرج موقفه، وإنه إن لم يتمكن من الحسم فليس أمامه إلا الانسحاب، وأن هذه هي أوامر الراعي الدولي.
وإن صح ذلك، فهو يوضح أن مصر السيسي التي وفرت الدعم لحفتر في بنغازي ودرنة، وتدخل طيرانها بشكل سافر لقصف المدن الليبية، تقف اليوم عاجزة عن تقديم المزيد من المعونة لمن راهنت عليه ليضع ليبيا تحت تصرفها، وكما أعلنها هو صراحة في أحد خطاباته: “سنكون مع مصلحة مصر ولو كانت ضد مصالح ليبيا”.
فشل حفتر في اجتياح طرابلس لم يحرج فقط مصر، بل السعودية أيضا، فعندما طلب وزير الخارجية محمد سيالة تنسيق زيارة له للسعودية، تلقى موافقة فورية، الأمر الذي قد لا يكون مألوفا، قبل أن تلغي الحكومة الليبية الزيارة لأسباب لم تعلن عنها.
وبعد الاتهامات المباشرة التي وجهتها الصحافة الإيطالية لفرنسا، ووضعتها في خانة من منح الضوء الأخضر لتحرك حفتر للسيطرة على مقاليد الأمور في ليبيا، كما ذكرت الصحافة الإيطالية أن خبراء عسكريين فرنسيين هم من يقود غرفة عمليات الهجوم على العاصمة، فقد لا يكون أمام فرنسا سوى المزيد من التدخل عبر وكلائها الإقليميين، وهي مقامرة ستضعها في حرج دولي كبير عندما يركز عليها الإعلام.
سينتظر حفتر مددا من السماء لينجز المهمة، في حجم معجزة تغيّر كل المعطيات على الأرض، لكن الوقت لن يكون في صالحه، خاصة وأن جبهته الداخلية بدأت تتآكل، وتحالفاته الهشة التي بناها في محيط طرابلس شرعت في التواصل مع القوات الحكومية لخروج آمن، وسلم الكثير من ميليشياته سلاحه مقابل سلامته، كما أن محاولاته لتحييد أو كسب ود المدافعين عن طرابلس اصطدم بجدار صلب لا أمل في اختراقه، ولم يبق أمام حفتر إلا أن يتجرع الهزيمة المذلّة التي سيختم بها حياته العسكرية، وربما حياته في ظل أنباء عن تدهور حالته الصحية.
معركة طرابلس تلفظ أنفاسها، وسيكون على الليبيين أن يلموا شتاتهم، وينقذوا ما تبقى من بلادهم، وإن وعى الليبيون كيف يضعون السلاح جانبا ويجلسوا ويستمعوا لبعضهم، فسيسجل لهم التاريخ أنهم أنقذوا لأبنائهم وطنا يحيون فيه بعزة وكرامة، ولا عزاء للطامعين.