الرئيسيةالراي

رأي- واقعية مشروع الاستقلال. فما حالنا اليوم؟

* كتب/ د. عبدالله حسين حديد،

تتجه الأنظار إلى يوم الرابع والعشرين من ديسمبر، يوم ذكرى الاستقلال، والناس فيه توجهات، فمنهم من يراه مكسبا وطنيا يسعد بذكراه، ومنهم من يراه مجرد تاريخ، وثمة من لا يهتم به ويرى أن ما وقع ما هو إلا لعبة دولية واستقلال مزيف، ولكل وجهة، لكن المؤكد أن هذا التاريخ لم يكن مجرد تاريخ، بل فيه تأسست دولة وطنية بكامل مقوماتها المادية والمعنوية.

إن واجب الوقت علينا أن نعمق النظر في الاستقلال وظروفه التي أنشأته، وإلى أي مدى يمكن أن يستمر المشروع الذي بني عليه الاستقلال؟

ما قبل الاستقلال كان هناك عمل وطني منشر وواسع في مختلف أنحاء الوطن، شرقا وغربا وجنوبا، تمثل هذا العمل في أحزاب وفاعلين وزعماء، كان الحوار دائرا فيما بينها، وهي ليست على نسق واحد، ولا تخدم فكرة واحدة، ومع مرور الوقت انصهر التفاعل في مشروعين كبيرين، هما: مشروع يقوده الأمير ادريس السنوسي، ومشروع يقوده السيد بشير السعداوي، وقد تفاعل كل منهما مع محيطه المجتمعي، كما أن كل واحد منهما اختار حليفه الدولي ليدافع عن رؤياه في الأوساط الدولية.

تلك الفترة كانت فترة بدايات الحرب الباردة التي اشتعلت بين الحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من جهة، والاتحاد السوفيتي من جهة أخرى، وبدأ كل فريق يتوسع على حساب الطرف الآخر، وهذا انعكس على كثير من التحركات، وليبيا لم تكن استثناء من ذلك، فكان من الطبيعي البحث عن صيغة ليمنع كل طرف الآخر من التمدد، وحيث إن الأمير السنوسي كانت له تحالفاته السابقة مع بريطانيا فإنه لم يعدم الحيلة لتعميق التواصل معهم، وطرح مشروعا لا يتعارض مع صالح حلفائه، مع امتلاكه مقومات الزعامة الاجتماعية والدينية، وعزز موقفه أن مشروعه مثل لبنة لبناء دولة وطنية حديثة، وفي المقابل كان مشروع المؤتمر لم يحسم أمره بشكل نهائي، وخصوصا مع تدخلات عبدالرحمن عزام، فكانت المعطيات في صالح مشروع الأمير، وعليه تأسس دستور الاستقلال سنة 1951، وكان وعي السعداوي كفيلا ليسمح لهذا المشروع بالمرور يوم أن أعلن بيعته للأمير السنوسي، والعمل على بيعة بقية الزعماء الوطنيين آنذاك.

واليوم ونحن نعيش مشهدا فوضويا على مستوى إدارة الدولة، حيث التفاعلات التي تشتد حتى تصبح نزاعا مسلحا، وتهدأ حتى يسود التوافق (ولو صوريا) من المهم أن نعرف أن أهم عوامل الاستقلال كانت هي وجود مشاريع للحكم واقعية، ولا تتعارض مع مصالح الدول الكبرى، وهذا ما كان ليكون لولا الفهم الدقيق لمجريات الأحداث والتواصل الجيد والمستمر، ولعل هذا ما ينقصنا اليوم، فنحن إما مشاريع لإدارة الدولة، أو مطالبات بالاستفتاء على الدستور، أو ارتهان للمجتمع الدولي، وهذه لا يمكن أن تسير بنا نحو بر الاستقرار وبناء الدولة، فهي كفيلة بإيصال مجموعة للسلطة وكفى، فإذا تنازعت واختلفت فيما بينها تنازعت وتصادمت ورجعت للفوضى مرة أخرى.

فحريّ بنا اليوم أن نبحث عن معالم لمشروع وطني للحكم، ينطلق من إرادة وطنية، مواكب للتطورات الدولية، خصوصا وأننا نشهد إعادة تخريط المنطقة والعالم بأسره، وإعادة بناء التحالفات، فما بعد وباء كورونا (الذي أبان عن ضعف أوروبا) وحرب أوكرانيا (التي أبانت عن رجوع روسيا) وحرب غزة (التي أنهت كون إسرائيل نموذج للسلام وأنها أقوى دولة في المنطقة) وانتصار الانتفاضة السورية (التي سمحت لتركيا بدور إقليمي أكبر) فالسؤال: كيف نتصور ليبيا في إطار هذه التغيرات؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى