* كتب/ محمد أبوفلغة،
يطرح المفكر المغربي عبد الله العروي في كتابه “مفهوم الدولة” تساؤلاً حول وجود الدولة في بلداننا بعد أن يقترح أن “الدولة” لا يمكن اختصارها في النظام الحاكم أو “الجهاز” كما يسميه.
تساؤل العروي مهم وجدير بالنقاش. قد يقول قائل إن الوقت غير مناسب لهكذا نقاشات، وقد يصح القول؛ ولكن لا شك عندي أن الوضع الحالي في ليبيا من تحارب وتقاتل سينتهي عما قريب إلى استقرار قد تتمخض عنه ليبيا مختلفة عن تلك التي عرفناها ونعرفها الآن من الناحيتين الجغرافية والديمغرافية.
وحينئذ، سيضطر من تبقى منا لمعالجة مسألة الدولة وتشكيل الذات أو الهوية الوطنية في ظروف أقل مرونة. هذه الذات هي العنصر “الأدبي” (أو المعنوي/الهوياتي الذي يقابل الجانب المادي – النظام – ويتممه) وهي بالتحديد ما افتقرت إليه ليبيا منذ استقلالها.
يستعمل العروي لفظ “أدلوجة” لوصف العنصر الأدبي/المعنوي أو الذات/الهوية الوطنية، فيقول:
“لا دولة حقيقية بدون أدلوجة دولوية (نسبة إلى الدولة). لا نعني الدعاية الفجة التي تردد في كل حين منجزات النظام، الحقيقية والمزعومة؛ هذه مفروضة من فوق في حين أن الأدلوجة هي ما يستوعبه المواطن ويترجمه بعد حين إلى ولاء. فيعطي بذلك ركيزة معنوية قوية للدولة… تستطيع وسائل الإعلام أن تبلور الأدلوجة، لكن لا يمكن أن تخلقها من لا شيء. لكي تتكون أدلوجة دولوية لا بد من وجود قدر معين من الإجماع العاطفي، الوجداني، الفكري بين المواطنين. وهذا الإجماع هو وليد التاريخ، وفي نفس الوقت، تعبير عن مصلحة حالية. هنا، نلمح مجالاً أوسع من الدولة، حيث أن العنصرين المذكورين: التاريخي الموروث والاقتصادي الحالي، يكوّنان أساس كل مجتمع، مهما كان مداره وحجمه. بيد أن النقطة التي تهمنا هي أن الأدلوجة الدولوية عقيدة وجدانية وليست شعاراً فقط، إنها الوجه المعنوي، إن لم نقل الوجه الحقيقي، للدولة. في بعض الأحيان، قد يكون جهاز ولا تكون دولة. [وهذا واقع ليبيا بين 1951 و2011 إلى حد كبير]”
يمكن، إذن، القول بأن الهوية أو الذات الوطنية تستوجب توافقًا عاماً حول الماضي والمستقبل. وهذا يدعم التوجه نحو طرح هكذا مسألة في مثل هذا الوقت حيث الحاضر متقلب وغير ساكن، مما يدفع الناس للتشكيك فيما مضى وما سوف يأتي.
لعل الإشارة هنا تجدر إلى أن التوافق الذي يقترحه العروي قد يختلف من دولة إلى أخرى. بمعنى، قد تركز دولة ما على التوافق حول الماضي أكثر من تركيزها على المستقبل، ويخيّل إليّ أن الأمر كذلك في عدة دول شرقية (الصين مثلا أو إيران). والعكس يحصل في دول غربية لعل أهمها الولايات المتحدة التي لا يمكن لشعبها التوافق حول الماضي بطبيعته ولانفصال مواطنيها عن الماضي العضوي للدولة نفسها. يتم التركيز بالتالي على توافق حول المستقبل، بالذات المستقبل الاقتصادي للدولة وشعبها، وما مصطلح “الحلم الأمريكي” إلا جزءا من ذلك.
إذا ما صح كل ما سبق، لا بد من طرح السؤال التالي: هل يمكن لليبيين الوصول لإجماع وتوافق حول الماضي والمستقبل؟