الرئيسيةالراي

رأي- هل وصلنا إلى القاع؟

“أين نحن الآن؟

في القاع

جيد، لن نسقط مرة أخرى”

فيودور دويستوفيسكي

* عبدالله الكبير،

 ثمة من يتساءل، لماذا لم تتحقق أهداف الثورة؟ ولماذا لا نلمس أي تحسن في حياتنا، بل تزداد الأوضاع سوءا يوما بعد يوم؟ لماذا يصعد اللصوص والأنذال إلى مواقع القيادة لينحدروا بنا إلى الهاوية؟

هذه أسئلة مشروعة، ربما راودت الكثير منا، ولعل بعضنا اجتهد للوصول إلى إجابات مقنعة، بعضها يستند إلى الدين، وبعضها الآخر يبحث عن تفسيرات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومن المؤكد أن حالنا اليوم يستدعي وقفة جادة من أهل العلم، للبحث عن أسباب تعطل تطور المجتمع نحو الأفضل بعد كل هذه التضحيات، وسبل معالجة معوقات النهوض من هذا القاع المخيف الذي انحدرنا إليه.

لا جدال أن الحاضر هو امتداد للماضي، فالتخريب الممنهج على كافة المستويات، الذي تعرض له المجتمع خلال العقود الماضية نجني اليوم ثماره السامة، وكل الخشية أن يستغرق الإصلاح زمنا يعادل وربما يزيد عن زمن الاستبداد والتخريب.

قد يرى البعض أن السياسة هي السبب في كل تحول يطرأ على قيم وأخلاق المجتمعات، ذلك لأن من يمسك بزمام القيادة السياسية، يملك سلطة القرار والأدوات التي تمكنه من تنفيذ قراراته، ومن ثم يتأثر المجتمع بهذه السياسات والقرارات سلبا أو إيجابا. وهذا صحيح ولا ريب، فالدول التي تقاد بسلطة الفرد تتأثر مكوناتها الاجتماعية بسياسات وقرارات وسلوك هذا الفرد، حتى إذا لم يكن مستبدا ظالما، وجنح إلى العدل، فالناس على دين ملوكها حتى في السلوك والمزاج والرغبات.

كان الخليفة الوليد بن عبدالملك مولعا بالبناء والعمران، فكان الناس في عهده يتحدثون عن البناء والصناعة وشق الأنهار وغرس الشجر، ثم جاء شقيقه سليمان، وكان مغرما بالطعام والنساء، فصار حديث الناس عن الطعام الطيب والجواري، وأخذوا يتفنون في إعداد الموائد والتسري، ثم جاء الخليفة الزاهد الورع عمر بن عبدالعزيز فكان الناس في زمنه يسألون بعضهم البعض، كم تحفظ من القرآن، ومتى تختم، وكم تصوم من الشهر.. الخ.

ولكن مع اختلاف الزمان، وظهور الدولة القومية الحديثة، مع تطورات مذهلة أصابت العالم كله، وزادته تعقيدا واتساعا، لم يعد مجديا حصر المسؤولية في شخص الحاكم وحاشيته فحسب، فالناس من كل الفئات، وخاصة النخبة منهم، يتحملون قدرا من المسؤولية في صعود أو انحدار المجتمع، ولا عذر لهم ولا مبررات تعفيهم من هذه المسؤولية، فشؤون ومناح كثيرة لا يستطيع الحاكم مهما بلغ جبروته حرفها عن مسارها الطبيعي، لذلك تعد الثقافة أكثر أهمية من السياسة في تغيير المجتمعات، الفارق فقط هو المفعول السريع للسياسة، بينما تظهر نتائج التأثير الثقافي بعد زمن ليس بالقصير، وهنا بالضرورة سيفرض هذا السؤال نفسه. لماذا تفشل كل المؤسسات المسؤولة عن الخطاب الثقافي في الحد من هذا الانحدار؟ هذا يعني مساءلة منابر المساجد والمدارس والأندية والإذاعات والصحف والملتقيات الثقافية الموسمية، وغيرها. فهي المناط بها حماية قيم وأخلاق المجتمع وصونها وحمايتها من الانهيار، مهما بلغت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية من التدهور.

لا مناص إذا من الاعتراف بأن فشل القيادة هو امتداد لفشل المؤسسات الاجتماعية الثقافية، وأن تجاوزات وانحرافات من يتبوؤون مواقع القيادة هي ترجمة موضوعية وواقعية لتجاوزاتنا وانحرافاتنا، التي لم نسع لتقويمها في أنفسنا وفي نفوس غيرنا، لأننا نكاد نشطب التناهي عن المنكر في سلوكنا اليومي، ولأننا تجاهلنا -أو نكاد- العدل كركيزة أساسية لبناء الدول والمجتمعات، ليس المقصود هنا القضاء والمحاكم وما يلحقه من إجراءات فحسب، وإنما العدل كسلوك يفترض أنه فطري متأصل في النفوس، يمثل ضابطا لكل سلوك، ولكل فعل أو رد فعل يأتيه المواطن كفرد مسؤول في المجتمع. وسنفصل أكثر في قيمة العدل في عدد قادم بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى