رأي- هل لنا أن نتعلم..؟
* كتب/ عطية صالح الأوجلي
ثمة جدل على صفحات الجرائد البريطانية وبوسائل الإعلام حول مسألة ارتداء النقاب، وهل يجب السماح به أو منعه أو تقييده، وهذا النقاش أو الجدل هو جزء من نقاش أكبر حول الجاليات المسلمة بالغرب، ومسألة تأقلمها مع الواقع البريطاني، ومسألة تقبل الآخر لدى شريحة من الغربيين، وكذلك العلاقة بين الدين والمجتمع.
هذا النقاش يتميز عن النقاشات التي جرت في مجتمعات أوروبية أخرى بدرجة أكبر من العقلانية التي ميزت -حتى الآن- تعاطي الجزيرة البريطانية مع الأقليات والديانات. ويمكن له أن يقود إلى إدراك أعمق وإلى تفاهم أوسع إذا ما نجح في الإفلات من عمليات التوظيف والاستقطاب السياسيين.
وهذا النقاش يعود بالذاكرة إلى واقعة مثيرة حدثت في عام 1921 حينما رفض مفكر مسلم في الهند الالتحاق بالقوات البريطانية لقتال مسلمين في أماكن مختلفة من العالم. وتم تقديم العالم المسلم “مولانا محمد علي” للمحاكمة أمام هيئة محلفين. وطلب العالم المسلم أن يقوم بالترافع عن نفسه وعن بقية المتهمين، وفعل ذلك في مرافعة شهيرة استمرت لمدة يومين.
وينقل لنا كتاب (أيها المحلفون: الله… لا الملك) وقائع تلك المحاكمة المثيرة، حيث اعتمد الرجل في دفاعه على أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقام “مولاي محمد علي” بالدفاع عن آرائه الشرعية في عدم سماح دينه له بأن يقتل مؤمناً متعمداً حيث قال في مرافعته :
” أنه إذا أُكرهَ المرءُ، تحت وطأة التهديد بالموت، على أكل لحم الخنزير فليس له فقط أن يأكل اللحم، بل يتحتم عليه أن يأكله. وكذلك يستطيع أن يعلن أنه كافر مادام مطمئناً بالإيمان. غير أنه لا يستطيع أن يقتل مسلماً، ولو أُكرهَ على ذلك”.
لم ينكر “محمد علي” تهمة الاشتراك في مؤتمر وإصدار قرار ينبع من القرآن والسنة يدعو المسلمين في القوات المسلحة البريطانية عن الامتناع عن المشاركة في قتال مسلمين آخرين. وكان الجدل حول هذه القضية واسعا حيث أنه يطرح أسئلة غاية في الأهمية ..
لمن الأولية للمعتقد الديني ام لقوانين الدولة؟
ماذا إذا ما تعارض معتقد الفرد مع قانون سنته الدولة؟
هل يحق له الامتناع أم يجب عليه الإذعان؟
إلى أي حد ملزمة الدولة بحماية الأقليات والمعتقدات الدينية؟
هل واجب الدولة احترام المعتقدات الدينية للأقليات وحمايتها… أم فرض الوصاية عليها؟
كانت مرافعة “مولانا محمد علي” من القوة والتماسك المعزز بالحجج والبراهين بحيث أثرت في الحضور وفي هيئة المحكمة، التي أصدرت في النهاية حكماً مفاجئا للجميع بالبراءة. فكان نصرا للمسلمين.. وللقضاء.. ولحرية العقيدة.. وللإنسانية قاطبة.
مثل هذه النقاشات هي التي تخلق الوعي وتعمق من فهم الناس لطبيعة المشاكل التي يواجهونها، وتبحث عن حلول إنسانية بعيدا عن التعصب وضيق الأفق والاحكام المسبقة.. فهل لنا أن نتعلم ونستفيد من تجارب الغير..؟