
* كتب/ خالد الجربوعي،
فالكاو.. إيدير.. سقراط.. زيكو.. جونيور.. لوزينهو.. أوسكار.. ليوناردو.. سيرجينهو.. سيريزو.. فالدير بيريز.. كلما ذكرت المتعة والمهارة والإبداع والسحر في كرة القدم ذكرت هذه الأسماء وهذا الجيل الذي قدم ربما أجمل وأمتع كرة في تاريخ كرة القدم، خاصة لمن عاش تلك الفترة وشاهد هذا الفريق ومتعته، وابداعات نجومه في كأس العالم 1982 بإسبانيا وبعضا منها في 1986بالمكسيك..
هذا الجيل “جيل 82” كان متعة زاهية وفنا قائما بذاته، صنّف أنه أجمل منتخب وأعظم مجموعة لعبت كرة قدم ربما في التاريخ، جيل وأسماء قدمت كرة قدم، وفنا وسحرا كرويا حقيقيا، ولعب كرة قدم سحرت كل عشاق المستديرة في كل أرجاء المعمورة.
فبرازيل كأس العالم 82 بقيادة المدرب الراحل “تيلي سانتانا” وما قدمه راقصو السامبا الساحرة حينها لا يمكن أن ينسى من ذاكرة كل متابع لكرة القدم العالمية، وعند من عاش تلك الأيام وشاهد ذلك الفريق الساحر الممتع.
صحيح أن ذلك الجيل ومنتخبه الرائع لم يحقق البطولة، وخرج خالي الوفاض منها، لكنه بقى ولا يزال يذكر على أنه أعظم جيل في تاريخ منتخب راقصي السامبا، بل كل المنتخبات العالمية الأخرى..
وكل من عاصر هذا المنتخب من عشاق البرازيل يحمل الكثير من الذكريات عنه.
هذا الجيل الذي بقدر ما أمتع جماهير الكرة في كل العالم يمكن القول إنه كان بداية أزمة الكرة البرازيلية وتراجعها، ليس لمستوى لاعبيه، بل لما أرادته بقية الدول والمنتخبات بعدما شاهدت هذا المنتخب وشعرت بالرعب من أن استمرار الكرة البرازيلية بهذا الشكل وهذه المتعة وهذه المواهب سيقضي على كرتهم، وسيجعلها دائما في الخلف.. فكان العمل على ضرورة تغيير الأمر وإسقاط هذه الكرة، وإفقادها مميزاتها ومتعتها وفنها بكل الطرق.
وهنا أتذكر وأذكر أن الدول الأوروبية وبعدما شاهدت ما قدمه فريق 1982 ثم فريق 1986، وإن كان أقل نسبيا، لكنه كان قدم المتعة والمهارة رغم تغير بعض لاعبيه بين 82 و86، والذي يمكن القول إنه يبقى من أفضل الفرق والمنتخبات متعة ومهارة ربما في تاريخ كرة القدم كاملة، كما ذكرت وأكرر ذلك تأكيدا وقناعة.
من هنا حدث إجماع أوروبي على ضرورة العمل على تفريغ الكرة البرازيلية من مواهبها وتميزها بطريقة أو أخرى خلال سنوات وعقود قادمة، وبكل الطرق والوسائل، حتى لا تبقى في قمة الكرة العالمية متعة وإبهارا ونجوما.. وهو ما حدث كما يبدو لاحقا ويدفع ثمنه اليوم بامتياز بعد أن بدأت الكرة البرازيلية تفقد الكثير من متعتها وتميزها وسحرها وتفوقها، وتعيش في أزمة لا سابق لها، حتى إنها أصبحت تفقد النتائج بسهولة، ولا تقدم ما يشد المتابع والمشجع لمشاهدتها كما كان يوما.
حيث بدأت الفرق الأوروبية منذ تلك الفترة عملية منظمة ومحسوبة وغير مسبوقة لاستقطاب كامل لنجوم الكرة البرازيلية، ومن تألقوا وقدموا المتعة حينها، فنجح منهم البعض وفشل الأكثرية في تقديم ما كان متوقعا منه، وذلك لاختلاف الأجواء وطرق اللعب ونوعيته في حينها.
ثم بدأ العمل على استقطاب كل نجوم الكرة البرازيلية في سن صغيرة، ومع أول درجات التألق والبروز، وقبل حتى الوصول إلى مستوى التميز والإبداع الكامل المتعود عليه برازيليا.. وذلك في محاولة للاستفادة منهم من ناحية، وإبعادهم عن فرقهم المحلية التي يتعلمون معها متعة الكرة وفنها وجمالها حتى آخر لحظة قبل كل شيء.. لأنهم في الفرق الأوروبية سيختلف الأمر عليهم، ويكون تعلم القوة البدينة والتكتيك وقيود اللعب قبل المتعة هو الأساس، ليتم حرمانهم من تقديم المتعة والمهارة والفن الحقيقي لكرة القدم وسحرها، التي يتربون عليها في بلادهم وتميزهم عن بقية لاعبي العالم.. ويكون أدخلهم في منظومة الكرة الأوربية مبكرا التي تعتمد على القوة والبدنية في جلها، والتقيد بالمراكز والخشونة وغيرها، جزءا من عملية أفقدتهم تميزهم ومتعتهم، ليحرم اللاعب البرازيلي من تقديم إبداعه ومتعة كرته، بل من يحاول الخروج عن هذا المسار التكتيكي ويبحث عن استعراض متعته وفنه، قد يعاقب من قبل مدرب ومسيري الفريق الذي يلعب معه.
ومن هنا بدأت الكرة البرازيلية تفقد فنها ومتعتها التي كانت تميزها عن غيرها، من فرق ومنتخبات العالم، وتعيش منذ فترة ليست بالقصيرة وضعا لا تحسد عليه.. حيث فقدت الكثير من سحرها وتميزها الكروي وإبهارها الفني الذي تميزت به بين كل فرق ومنتخبات الكرة العالمية، فأصبح الانتصار على المنتخب البرازيلي مرة ليس صعبا حتى لأصغر الفرق، ومن كل القارات بعد أن كان مجرد اللعب أمام المنتخب البرازيلي يعد انتصارا في حدة ذاته لعديد المنتخبات الأخرى..
بل تجاوز الأمر ذلك وأصبحت بلاد “سانتانا” و”زاغالو” و”بيريرا” وغيرهم من مدربي المتعة والمهارةـ تفتقد حتى للمدربين المحليين لقيادة منتخبها الأول في سابقة لا مثيل لها في تاريخ كرة السامبا.. حتى وصل الأمر ولأول مرة في تاريخها للتعاقد مع مدرب جديد للمنتخب البرازيلي من خارج البلاد، وهو ما يحدث بعد أصبح مغادرة منتخبها للبطولات الإقليمية والعالمية من أدوار مبكرة أمرا ليس صعبا.. بل حتى الفوز على المنتخب بنتائج كبيرة وكارثية واقع معاش، وما حدث في المباراة الأخيرة أمام الخصم اللدود المنتخب الأرجنتيني، والخسارة بأربعة أهداف، بل وعدم تقديم ما يقنع ويشفع في هذه المباراة خير دليل.. دون أن ننسى ما تعرضت له في نهائيات كأس العالم 2014 على أرضها بخسارة مدوية وصلت إلى 7 أهداف كاملة من المنتخب الألماني.
دون أن ننسى خسائرها من عدة منتخبات، كان الفوز على المنتخب البرازيلي خارج كل حساباتها يوما في مباريات ودية ورسمية خاصة من قاراتي إفريقيا وآسيا..
حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، لتجد نفسها في مأزق وصل لحد الاستعانة بمدرب خارجي لأول مرة، ومن مدرسة معاكسة لها تماما، مدرسة تفضل الدفاع على الكرة الهجومية، والمتعة الفنية، ليكون “انشيلوتي” مدربا لمنتخب السامبا بعد أن فقد هيبته ومتعة كرته ..
وحتى لو نجح المدرب الإيطالي في تحقيق نتائج جيدة وطبعا هذه النتائج لا تكون إلا بالفوز بالبطولات لمنتخب تعود على ذلك، وغابت عنها مثل هذه البطولات لسنوات طويلة، فإن الأمر لن يكون بمتعة وإبداع وسحر، ولن يقدم ما تعودنا عليه من الكرة البرازيلية وسحرها في عقود ماضية يبدو أنها أصبحت ذكريات من الماضي لا مكان لها على أرض الواقع ولا داخل الملاعب اليوم.
فهل أصبحت الكرة البرازيلية عاجزة عن تقديم الفن والمتعة والإبداع مع تحقيق النتائج المطلوبة..؟؟ وهل أصبح اللاعب البرازيلي يفضل الاعتماد على ما يتعلمه من تكتيك وتقييد في الكرة الأوروبية، ونسي كرته الحقيقية ومتعته من أجل المال والاحتراف، على حساب الموهبة والإبداع المعتاد لكرة السامبا..؟؟ لتصبح مجرد صورة باهتة لكرة لا علاقة لها بكرة البرازيل وفنها طيلة عقود..



