اخبارالرئيسيةالراي

رأي- هل تكون ثورة سوريا عنوانا للنجاح؟

* كتب/ عبدالله الكبير،

بخطى واثقة ومحسوبة، يمضي قادة ثورة سوريا نحو تأسيس الدولة السورية الجديدة، عقب الانتصار والظفر بإسقاط الطاغية الهارب وتحطيم سلطته، وسط حقل شاسع من الألغام والتحديات الداخلية والخارجية، فتركة الأنظمة الدكتاتورية فادحة وثقيلة عادة. تخلف السلطة الاستبدادية بعد سقوطها الفوضى، ومؤسسات منهارة أو تكاد، مع تدخل خارجي بأشكال ومستويات مختلفة، فضلا عن ما لحق بنفوس المواطنين من خراب قيمي وأخلاقي وروحي.

الشروع في تكليف قيادات للوزارات والأجهزة الأمنية والمخابراتية، خطوة أساسية للشروع في بناء مؤسسات الدولة، فهي أدوات السلطة لتنفيذ برامجها وحماية أمنها، ثم الإعلان عن التحضير للحوار الوطني الشامل، الذي سيجمع كل مكونات الشعب السوري، للتوافق حول القواعد الدستورية للدولة الجديدة، وطمأنة الجميع حول المستقبل، وفتح الباب أمامهم للمساهمة في وضع لبنات البناء الأولى، من دون تهميش أو إقصاء لأي مكون، بصرف النظر عن مكانته ودوره في الماضي الأسود، فالمسؤوليات فردية ومن ثم فالمحاسبة يتحملها من تجاوز بشكل شخصي/ ولا علاقة لطائفته أو عشيرته بما اقترفه من مخالفات أو جرائم.

قرار ضم الفصائل المسلحة تحت قيادة وزارة الدفاع يعد لحظة حاسمة في مسيرة البناء، فمرحلة الثورة ومواجهة جيش الدكتاتور انتهت بالانتصار، وما تحتاجه سوريا الحاضر والمستقبل جيش موحّد خاضع للدستور، وليس فصائل مختلفة العقائد والرؤى.

هذه الخطوات والقرارات من القادمين الجدد إلى سدة الحكم في دمشق، تؤكد أنهم استوعبوا تجارب الثورات العربية في أدق تفاصيلها، فإعلان قائد الادارة الجديدة أن الانتخابات بحاجة إلى ثلاث أو أربع سنوات، هو رأي صائب تماما لتجنب ما وقع في مصر وليبيا، حيث تحرك تحالف القوى المضادة للثورة وأسقط التجربة في مصر بانقلاب عسكري، وبإثارة الفوضى وتأجيج النزعات الجهوية في ليبيا، حيث تشكّل أول برلمان منتخب على أسس جهوية وقبلية، ليمتد التنافس والصراع على السلطة والنفوذ قبل إعادة بناء المؤسسات، المسار سيمضي بشكل مغاير تماما لو استمر المجلس الوطني الانتقالي، فالاعتراف بشرعيته من الثوار ومن الخارج أمر مفروغ منه، ولا أحد ينازعه السلطة، وبعد إعلان التحرير يشرع في بناء المؤسسات، وجمع السلاح وضم الفصائل العسكرية في كيان موحد.

وبصرف النظر عن الجوانب الفنية الإجرائية، لا يمكن أن تكون الانتخابات من الأولويات في المرحلة الحالية بسوريا، فما يقارب من نصف الشعب إما مهجر أو نازح، والجميع بالطبع من حقهم المشاركة في أول انتخابات عقب أكثر من نصف قرن من الحكم الشمولي، فهذه لحظة تاريخية فارقة وفاصلة بين زمنين.

كما تحتاج الانتخابات إلى مناخ سياسي ملائم، تنظمه علاقات مدنية تتجاوز الانتماءات التقليدية، عمادها الأحزاب السياسية والإعلام الحر المسؤول ومنظمات المجتمع المدني، وكلها من المحرمات في الأنظمة الدكتاتورية، لذلك لابد من بعض الوقت حتى تنشأ الأحزاب السياسية على قواعد المواطنة ومصالح الفئات المنتمية لها، فالانتخابات بدون حياة سياسية صحيحة ستدفع الناخب إلى الاختيار وفقا للانتماءات الجهوية والطائفية والقبلية.

يدرك قادة الإدارة الجديدة في سوريا ما تحتاجه سوريا في هذه المرحلة التي تلي سقوط الدكتاتور، وما سيأتي لاحقا عقب اكتمال متطلبات المرحلة الحالية، ولأن تجاربهم خلال ثلاث عشرة سنة من الجهاد والنضال، فضلا عما عاصروه ووقفوا عليه من تجارب الآخرين، تمنحهم رصيدا لا يستهان به من الخبرة، يمكن للتجربة السورية أن تكون عنوانا للنجاح، ونبراسا تسير على ضوئه التجارب المتعثرة والمنتكسة في البلدان العربية الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى