
* كتب/ وحيد عبدالله الجبو،
هناك أصوات تطالب بتعويم الدينار الليبي وهنا يجب أن نعلم، وبدون مجاملة:
أن المصدر الوحيد للنقد الأجنبي في ليبيا، حاليا، هو صادرات النفط والغاز، ماذا لو انخفضت أسعار النفط عن خمسين دولارا؟ كم سيكون الدخل اليومي الذي يعتمد عليه الليبيون؟ وكأن أسعار النفط مستقرة ومضمونة إلى الأبد، عندها لن تكون الإيرادات بالدينار الليبي كافية حتى لسداد المرتبات، فكم سيكون سعر الدولار (بعد التعويم) حتى يمكن تغطية الإنفاق العام؟ في ظل الطلب الكبير على الدولار لمختلف الأغراض، وخاصة الاعتمادات التجارية لشراء السلع، ومخصص العلاج والدراسة والزيارة على الحساب الخاص، ربما يصل إلى 20 دينارا أو 30 دينارا للدولار، وماذا سيكون مصير أسعار السلع، ستتضاعف 200% -300%؟ كيف سيكون حال الشعب؟ هل ستقومون بالمناداة برفع المرتبات بنفس النسبة حتى لا يموت الناس من العازة والجوع؟ وهو حل فاشل لأن تعويم الدينار هو فتح لباب التضخم والغلاء لجميع أنواع السلع والأدوية وحتى العقارات.
علينا توضيح كيف يكون الحال، عندما تنخفض صادرات النفط إلى أقل من مليون برميل في اليوم، لمختلف الأسباب، وخبراء النفط يقولون، إن احتياطيات ليبيا من الخام بالكاد تمتد لفترة 27 سنة؟ كم تتوقعون أن يكون سعر صرف الدولار في ظل التعويم؟ هل ستتحقق العدالة في الوصول للدولار التي ينادي بها البعض؟ أم سيكون الدولار حكراً على كبار التجار، والأغنياء؟ وترسيخ الطبقية، وخاصة الذين يستحوذون على الدينار الليبي، ومستعدون لشراء الدولار بأي ثمن، مستفيدين من أزمة السيولة الحالية، وما هو شكل المجتمع الذي سيتكون؟ مجتمع طبقي مخيف وشرس، وتتجسد فيه الرأسمالية المتوحشة، فلا مكان للغير والضعيف، والساحة فقط للأغنياء وأصحاب النفوذ والسماسرة، وممتهني غسيل الأموال؟!!! وتتوسع رقعة الفقر والبطالة.
إن الذي يتعصب للتعويم غير مقتنع بتنويع مصادر الدخل بالنقد الأجنبي، ولا يرى حاجة لذلك، ولا ينصح الناس بتوريد الدولار من الخارج، عندما يقوم أصحاب المصانع الليبية بالتصدير.
كيف يمكن الحديث عن التعويم عندما يكون الدولار محتكراً من جهة واحدة، ولا أحد يملك ويعرض الدولار غير المصرف المركزي؟ ما شكل سوق العملة الصعبة في هذه الحالة؟ وترون من يورّد دولارا من الخارج بعد فتح الاعتماد المستندي إلى داخل السوق السوداء، وبالتالي يحرم البلاد من توريد القيمة المضافة، ويقوم ببيع الدولار في السوق السوداء وهو ما يسبب أضرارا بالاقتصاد الوطني؟!
هل يمكن تحديد العرض والطلب؟ هل تمت دراسة أوضاع اقتصادات الدول التي انتهجت سياسة التعويم، وكيف كانت فيها الأوضاع الاقتصادية وكيف أصبحت؟
الموضوع المطروح ليس جدلا ونقاشا بين مدرسة تقليدية ومدرسة حديثة، ومن قال إن نظام سعر الصرف الثابت تقليدي؟
ألا توجد العديد من الدول النفطية حاليا التي تطبق نظام سعر الصرف الثابت؟ وإن صندوق النقد الدولي قد وجد أصلا لثبيت أسعار الصرف في اقتصادات مختلف الدول، التي تتبع نظام سعر الصرف الثابت، بها استقرار ونمو اقتصادي، ولا تعاني مما يعاني منه الاقتصاد الليبي؟ الذي يحتاج إلى إعادة تشكيل على أساس التوجه للإنتاج، وخلق القيمة المضافة، وتوطين استثمارات رجال الأعمال الليبيين في داخل ليبيا، ويحتاج اقتصادنا إلى حل المؤسسات الفاشلة والخاسرة، وتوجيه جيوش الموظفين في القطاع العام إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
بهذا نحدد الفرق بين الواقع والموضوعي من جهة، والخيال والوهم، من جهة أخرى. لا نمانع في التفكير في إمكانية مراجعة نظام الصرف المطبق حالياً، وإيقاف استنزاف الاقتصاد الليبي عبر التهريب والفساد وغسيل الأموال، ولكن بحذر، وهناك شروط اقتصادية ينبغي توفرها حتى يمكن الخوض في هذا الموضوع.
لماذا نتجاهل طبيعة والخلل الهيكلي الذي يعاني منه الاقتصاد الليبي؟
لماذا لا تطالبون بالتخلص من الثقافة الريعية و، ليس بتعويم الدينار ، ولكن من خلال التوجه الصحيح بتنويع مصادر الدخل ، ومساهمة الجميع في النشاط الاقتصادي ؟ هل تعلمون ان مصدر النقد الاجنبي في معظم الدول هو القطاع الخاص من خلال ما يقوم بتصديره من سلع وخدمات ؟ القطاع الخاص في تلك الدول يورد ضعف ما يستهلكه من النقد الاجنبي الذي يكون مصدره المصرف المركزي !!!
انتبهوا: سعر الصرف الثابت ليس هدفاً في حد ذاته ، والتعويم ايصاً لا ينبغي ان يكون هدفاً في حد ذاته ،
البحث ينبغي ان يكون عن نظام الصرف الذي يحقق الاستقرار ، ويدعم القوة الشرائية للدينار الليبي
ان ، النظام الذي يجنب الاقتصاد الليبي من التضخم ، ولا يخلق مجتمع طبقي شرس .
يجب المطالبة بسياسات اقتصادية مصاحبة لأي اصلاح لسعر الصرف ، لان تغيير سعر الصرف منفرداً مع بقاء السياسة التجارية والسياسة المالية ، والسياسة النقدية بعدم التناغم ودعم المحروقات ، على ماهي عليه ، بدون علاج وخاصة البدء في تاسيس وبناء المواصلات والنقل العام من جميع وسائل النقل يعني اجهاض اي سياسات يمكن ان يلتجئ اليها المصرف المركزي بالنسبة لسعر الصرف ، ودخول الاقتصاد في موجة تضخمية ،لا يمكن التنبوء بنهايتها .
المطالبة بالتعويم ، في الحالة الليبية ، نراه مدخل لغض النظروالتستر على الفساد وسوء استغلال وتوزيع الموارد ، وتكريس الاقتصاد . الاستهلاكي وليس الانتاجي والمنادون بالتعويم كانهم يقولون لا يهمنا الفساد وعدم الكفاءة ،طالما ان هناك امكانية لتغطية النفقات ، عن طريق تعويم سعر الصرف و المواطن هو الذي يموّل .
التعويم ،في الحالة الليبية ، بمثابة فرض ضريبة تزيد من فقره ومعاناته مع التضخم



