* كتب/ ربيع بركات
ككل عام له نهاية، بل ككل شيء إلا المشاكل والغباء، لهما نهاية!
ومع نهاية هذا العام، تأخذني عاصفة الإحباط الموسمية، هي الثانية على التوالي، ففي بداية هذا العام، وفي أول أسبوع، ذهبت إلى مكتب عميد الجامعة محاولاً إقناعه بأني لا أنتمي إلى المستشفى، ولا المعطف الأبيض يليق بي. لا أحب الأبيض حتى لهاتفي، وهذا ليس حقلي، أنا جرذ ولكنني أعاني من حساسية ضد الذرة..
فمع نهاية العام يأخذني كما يأخذ معظمنا ممن يحبون الحياة بابتذالها من عدّ إنجازات آخر 365 يوم له، التي حققها، والتي فكّر بها ولم تر للواقع نافذة..
كم خسر كيلو جراما من وزنه ولتراً من السيروتونين، وكم بنى عضلة وقصوراً من الورق. تُداهمني هذه الانعكاسات الذاتية كل نهاية عام بلا استئذان. لأني أخشى العدّ، فأنا والرياضيات لم نكن يوما أصدقاء، عدا ذاك اليوم الذي حسبت فيه أخطاء أصدقائي القدامى، واكتشفت أنهم تفوقوا علي بعدد البقع الداكنة على قلوبهم..
-تسأل كيف عرفت؟! لا أعرف ولكن مادة التشريح هي المفضلة عندي-
الرياضيات لم تكن صديقة جيدة وإلا لكنت أدرس الهندسة حالياً، كانت علاقة معقدة عكس علاقات التكافل في حصص مادة العلوم، والتفاعلات الطاردة للحرارة في معمل الكيمياء، كانت كلها تشبع الفضول الذي يزداد مع كل حصّة، كانت أكثر حيوية من الأرقام. وهنا قلت الوداع إلى أرخميدس ومرحبا إلى أبوقراط!
ولكن مع النوبة الثانية على التوالي من الشعور بعدم الانتماء اكتشفت أن اللوم ليس على الرياضيات، بل لأن ليس لدي ما أعد. أول مشاركة بمعرض تصوير دولي! ثم ماذا؟
أراجع حياتي قسرا وأقارن ما قبل الطب وما بعده. أجد أن نشاطي الفنّي بالكاد يتنفس، دقات قلب غير منتظمة، في سبات طويل ولكن ليس موتا سريريا بعد، وهو أصعب لأن لا شيء قطعي بعد، والربيع ليس من فم الباب يبان دائماً.
الأمل خطير وحلم اليقظة أخطر.
مشاهدة ما جعلك حيّاً أثناء ألمك، أشبه برؤية طفلك يحتضر على فراش في حجر صحي لا تستطيع حتى لمسه بسبب امتحانات لا تنتهي وانشغال ذهني يلاصقك كلما خلعت معطفك الطبي الأبيض..
لا تستطيع رؤيته إلا من خلال شاشات أجهزتك الإلكترونية على حسابات غيرك. تفرح لوجوده حيا ولو بعيدا، وتحزن لأنك غير مدعو لحفلات توزيع الجوائز أو حتى لفتح المعارض وتوقيع الكتب..
حلم اليقظة خطير وتستعيذ منه كلما ضِعت مع فانتازيا مهنتك الفنية غير الموجودة والتي استبدلتها بمشرط استأصلت به شغفك. وكأنه كبش الفداء لحياة الآخرين، لوصف مضاداتهم الحيوية وبعدد الأيام. لا زال أرخميدس يغازلنا من بعيد
لن أذهب إلى مكتب العميد هذا العام، ربما سأفعل لأتمنى له سنة جديدة سعيدة.
سنة جديدة سعيدة خالية من المشتتّات “هو سيكمل”
لأن المسارات وُجدت لتُسلك. وعلى جوانبها الكثير مما ستجده حتى بعد أن تصل. يمكن لتشيخوف أن ينتظر في زنزانته، فخمس سنوات ليست بالكثيرة. ولكن ربما تستطيع بمشرطك بدل استئصال ما تعتقد أنها أورام، هو زراعة أعضاء يحتويها الجسم كمواهب تتكافل في علاقاتها، تتفاعل بشغف، تحسب للحاضر والمستقبل، كعائلة مكونة من أبوقراط، بيكاسو وأرخميدس.. تحل شفرة دافينشي
وتحل مشاكل نوبات كل نهاية عام.
Happy New Year