* كتب/ يوسف ابوراوي،
سمعت منذ قليل في راديو السيارة أن اليوم هو ذكرى تأسيس الجيش الليبي… ولكن كالعادة لم يتكلم ناقل الخبر عن أن هذا الجيش كان من تأسيس الإنجليز لهزيمة إيطاليا.. وذلك أحد مظاهر تعاملنا الغريب مع التاريخ… فعندما نتكلم عن بطولات الأجداد وأساطيرهم، دائما ما يكونون نبلاء وأولياء صالحين مما يجعلك تتساءل عن هوية من كان يقطع الطريق ويرتزق من ذلك …
وعندما نرجع إلى التاريخ الإسلامي لا أحد يريد أن يتكلم عن فضائع الدول وأمراء المؤمنين ضد شعوبهم …
وعندما نتكلم عن محاربة الأجداد للطليان لا أحد يحب ذكر إمداد ألمانيا لهم بالسلاح ولا تلك المعارك الطاحنة بين قادتهم …
وعندما نتكلم عن السنوسية وجهادهم لا أحد يحب أن يتكلم عن عقد أي اتفاقات مع إيطاليا ولا دعم الإنجليز لهم من مصر لحرب إيطاليا…
وعندما نتكلم عن ثورة الفاتح من سبتمبر لا أحد يتكلم عن كيفية قدرة ملازم على قيادة ثورة في بلد فيها قواعد أمريكية وإنجليزية …
وعندما نتكلم عن ثورة 17 فبراير لا أحد يريد أن يتكلم عن الدعم الدولي للإطاحة بالقذافي …
وفي كل مواقفنا التاريخية سنجد ذلك الجزء المتواري الذي لا نرتاح لمجرد تذكره .
سيقول البعض ولم كل هذا التحامل؟… لماذا تجلد نفسك؟… ولماذا تصر على ذكر النقائص والأخطاء …
وسيكون جوابي إن تذكر أخطاء التاريخ أهم بمراحل من ذكر انتصاراته… فبذكر الأخطاء وأسبابها سنعرفها ونتجنبها مستقبلا… أما التحدث عن الانتصارات وتعظيمهما فهو الذي خلق هذه العقليات التي نراها اليوم والتي لا تجيد التعامل مع الواقع؛ لأنها غارقة تماما في أوهام وأساطير طوباوية نتيجة هذه النظرة الجزئية والانتقائية… وهو ما جعلنا نتخلف عن باقي شعوب الدنيا التي تعترف بأخطائها وتستفيد منها …
أكاد أجزم أن المراقب لنا من الخارج سيصفنا بالجنون …
فبعضنا يريد فتح الدنيا ونشر الإسلام ببنادق روسية وخطط أمريكية وتفجير محطات القطارات …
وبعضنا يظن أن ارتداءه لملابس الأوربيين أو شرب الكوكاكولا والتشدق بمصطلحات التنوير والاستهزاء بالدين وشعائره سيجعلنا بالتأكيد من الدول المتقدمة …
كل تلك التشوهات نتجت عن الإصرار على النظر لأنصاف الحقائق والتعامل معها باعتبارها حقائق كاملة… العالم ليس أفضل منا … فقط نريد تحطيم أصنامنا والتفكير بشكل مختلف إن أردنا أن نتغير… وإلا فسنستمر أضحوكة إلى الأبد ..